الإصحاح الرابع

 

الآيات (1-2):- " 1كَيْفَ اكْدَرَّ الذَّهَبُ، تَغَيَّرَ الإِبْرِيزُ الْجَيِّدُ! انْهَالَتْ حِجَارَةُ الْقُدْسِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَارِعٍ. 2بَنُو صِهْيَوْنَ الْكُرَمَاءُ الْمَوْزُونُونَ بِالذَّهَبِ النَّقِيِّ، كَيْفَ حُسِبُوا أَبَارِيقَ خَزَفٍ عَمَلَ يَدَيْ فَخَّارِيٍّ! "

الذهب رمز للسماويات. وهكذا خلق الله الإنسان وهكذا أراد الله لأورشليم وشعبها أن يكون أراد الله للإنسان أن يكون صورته وأن يكون حجارة مقدسة يبنى بها هيكله. ولكن الخطية جعلت هذا الإنسان يهبط للأرض وصاروا بدلاً من الذهب، أباريق خزف. وكانوا أنقى أنواع الذهب = الإبريز الجيد فإكدروا أى دخل فيهم شوائب كثيرة من العالم بل الحجارة المقدسة ملقاة فى رأس كل شارع بعد أن خرب الهيكل. فحين يغادر الله هيكله لا عجب أن يحدث هذا كله. ونحن الأن هيكل الله وهذا معنى من يفسد هيكل الله يفسده الله (1كو17:3) إذن لنقرأ هذه الأيات وفى أذهاننا نرثى لكل من إبتعد عن الله وليس أورشليم فقط.

 

الآيات (3-5):- " 3بَنَاتُ آوَى أَيْضًا أَخْرَجَتْ أَطْبَاءَهَا، أَرْضَعَتْ أَجْرَاءَهَا. أَمَّا بِنْتُ شَعْبِي فَجَافِيَةٌ كَالنَّعَامِ فِي الْبَرِّيَّةِ. 4لَصِقَ لِسَانُ الرَّاضِعِ بِحَنَكِهِ مِنَ الْعَطَشِ. اَلأَطْفَالُ يَسْأَلُونَ خُبْزًا وَلَيْسَ مَنْ يَكْسِرُهُ لَهُمْ. 5اَلَّذِينَ كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَآكِلَ الْفَاخِرَةَ قَدْ هَلِكُوا فِي الشَّوَارِعِ. الَّذِينَ كَانُوا يَتَرَبَّوْنَ عَلَى الْقِرْمِزِ احْتَضَنُوا الْمَزَابِلَ."

الله هو الذى يشبع ومن إبتعد عن الله يصبح فى مجاعة وهنا تصوير للمجاعة أن الأمهات لا يرضعن أطفالهن بينما بنات أوى يرضعن أطفالهن. أَطْبائِها = ثدييها. فصارت الأمهات كالنعام = يترك بيضه بلا رعاية فى الصحراء (أى14:39). ولكن الأمهات لا يرضعن أطفالهن فهن ليس لهم ما يعطينه لأطفالهن. والصورة هنا هى صورة الإبن الضال الذى أصبح فى مجاعة. ولكن المجاعة الروحية أشد وأقسى حين يفتقر الناس لكلمة الله وتعزيته.

(يتربون على القرمز = أى لهم حياة الملوك، فالقرمز هو لبس الملوك).

 

آية (6):- " 6وَقَدْ صَارَ عِقَابُ بِنْتِ شَعْبِي أَعْظَمَ مِنْ قِصَاصِ خَطِيَّةِ سَدُومَ الَّتِي انْقَلَبَتْ كَأَنَّهُ فِي لَحْظَةٍ، وَلَمْ تُلْقَ عَلَيْهَا أَيَادٍ. "

 عقاب سدوم أسهل فهم هلكوا فى لحظة ولم يعانوا حصاراً ولا جوعاً. والسبب أن أورشليم كان لها ناموس و هيكل وكهنة وشريعة وأنبياء والله فى وسطها لذلك عقابها كان أشد.

 

آية (7):- " 7كَانَ نُذُرُهَا أَنْقَى مِنَ الثَّلْجِ وَأَكْثَرَ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَجْسَامُهُمْ أَشَدَّ حُمْرَةً مِنَ الْمَرْجَانِ. جَرَزُهُمْ كَالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ. "

 نُذرها = أى النذيرين الذين ينذرون أنفسهم لله. هؤلاء كانوا أنقياء كالثلج. وكان لهم حيوية = أجسامهم أشد حمرة = هذه مثل حبيبى أبيض وأحمر (نش10:5) فالله يعطى نقاوة وحياة (تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج). والأن هذا عمل دم المسيح (رؤ14:7) الذى يجعل أيضاً حياتنا سماوية = جرزهم كالياقوت الأزرق = اى لمعانهم. فحياة أولاد الله لها لمعان سماوى.

 

آية (8):- "8صَارَتْ صُورَتُهُمْ أَشَدَّ ظَلاَمًا مِنَ السَّوَادِ. لَمْ يُعْرَفُوا فِي الشَّوَارِعِ. لَصِقَ جِلْدُهُمْ بِعَظْمِهِمْ. صَارَ يَابِسًا كَالْخَشَبِ."

ماذا تفعل الخطية؟ هذه صورة عكسية للآية السابقة = النور يتحول لظلمة والحياة إلى موت.

 

آية (9):- " 9كَانَتْ قَتْلَى السَّيْفِ خَيْرًا مِنْ قَتْلَى الْجُوعِ. لأَنَّ هؤُلاَءِ يَذُوبُونَ مَطْعُونِينَ لِعَدَمِ أَثْمَارِ الْحَقْلِ. "

صورة للمجاعة فالحقل لا يثمر وذلك لأنه مداس من الأمم. وأرض حياتنا لوديست من العالم تموت.

 

الآيات (10-12):- " 10أَيَادِي النِّسَاءِ الْحَنَائِنِ طَبَخَتْ أَوْلاَدَهُنَّ. صَارُوا طَعَامًا لَهُنَّ فِي سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي. 11أَتَمَّ الرَّبُّ غَيْظَهُ. سَكَبَ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَأَشْعَلَ نَارًا فِي صِهْيَوْنَ فَأَكَلَتْ أُسُسَهَا. 12لَمْ تُصَدِّقْ مُلُوكُ الأَرْضِ وَكُلُّ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ أَنَّ الْعَدُوَّ وَالْمُبْغِضَ يَدْخُلاَنِ أَبْوَابَ أُورُشَلِيمَ."

من قدموا أولادهم ضحايا وبخروا لملكة السماوات يصبحوا قادرين على ذلك بل هذا هو عقابهم (رو26:1) نزع الرحمة من قلوبهم وكل كرامة إنسانية تفارقهم ويكمل خرابهم بخراب أورشليم الذى كان مذهلاً لدرجة أن ملوك الأرض لم يُصدقوا إقتحام أسوار أورشليم مدينة الرب فكان ظن الملوك أن أورشليم لا يقدر أحد على دخولها لمناعة أسوارها ولأن الله القدوس ساكن فيها. ولكن الله غادرها فدمرت وهكذا سيحرق الله العالم كله لخطيته (تث22:32).

 

الآيات (13-20):- " 13مِنْ أَجْلِ خَطَايَا أَنْبِيَائِهَا، وَآثَامِ كَهَنَتِهَا السَّافِكِينَ فِي وَسَطِهَا دَمَ الصِّدِّيقِينَ، 14تَاهُوا كَعُمْيٍ فِي الشَّوَارِعِ، وَتَلَطَّخُوا بِالدَّمِ حَتَّى لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّ مَلاَبِسَهُمْ. 15«حِيدُوا! نَجِسٌ!» يُنَادُونَ إِلَيْهِمْ. «حِيدُوا! حِيدُوا لاَ تَمَسُّوا!». إِذْ هَرَبُوا تَاهُوا أَيْضًا. قَالُوا بَيْنَ الأُمَمِ: «إِنَّهُمْ لاَ يَعُودُونَ يَسْكُنُونَ». 16وَجْهُ الرَّبِّ قَسَمَهُمْ. لاَ يَعُودُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ. لَمْ يَرْفَعُوا وُجُوهَ الْكَهَنَةِ، وَلَمْ يَتَرَأ َّ فُوا عَلَى الشُّيُوخِ. 17أَمَّا نَحْنُ فَقَدْ كَلَّتْ أَعْيُنُنَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى عَوْنِنَا الْبَاطِلِ. فِي بُرْجِنَا انْتَظَرْنَا أُمَّةً لاَ تُخَلِّصُ. 18نَصَبُوا فِخَاخًا لِخَطَوَاتِنَا حَتَّى لاَ نَمْشِيَ فِي سَاحَاتِنَا. قَرُبَتْ نِهَايَتُنَا. كَمُلَتْ أَيَّامُنَا لأَنَّ نِهَايَتَنَا قَدْ أَتَتْ. 19صَارَ طَارِدُونَا أَخَفَّ مِنْ نُسُورِ السَّمَاءِ. عَلَى الْجِبَالِ جَدُّوا فِي أَثَرِنَا. فِي الْبَرِّيَّةِ كَمَنُوا لَنَا. 20نَفَسُ أُنُوفِنَا، مَسِيحُ الرَّبِّ، أُخِذَ فِي حُفَرِهِمِ. الَّذِي قُلْنَا عَنْهُ: « فِي ظِلِّهِ نَعِيشُ بَيْنَ الأُمَمِ»."

هذه الأيات تنظر لأحداث قريبة هى خطايا الكهنة والأنبياء الكذبة الذين سفكوا وتسببوا فى سفك دماء بريئة كثيرة وبروح النبوة تنظر لأحداث صلب الكهنة للمسيح وسفك دمه وهو البار (13) فالذى أثار الجماهير ضد المسيح كانوا هم هؤلاء الكهنة أيضاً.  وصرخ الشعب دمهُ علينا وعلى أولادنا " فكان القادة عميان وقاد هؤلاء القادة العميان الشعب فهم عميان قادة عميان (14) فهم نجسوا أنفسهم  بالدم البرىء دم القديسين من هابيل الصديق لدم ذكريا إبن براخيا لدم الأطفال المسفوك كذبيحة للأوثان وإنتهوا بدم المسيح نفسه. لذلك صاروا نجاسة فى العالم كله (14-16) صاروا مشتتين فى العالم كله. ورذلهم العالم كله ما يقرب من 2000 سنة تحقيقاً لهذه النبوة ولم يحترم العالم لا شيوخهم ولا كهنتهم. وكانوا سخرية العالم كله. وسيعرف العالم أن الله طردهم من كنعان كما طرد الكنعانيون قبلهم بسبب نجاساتهم هذه وهى سفك الدم البرىء. وفى (17) هم كانوا فى بليتهم يرجون عون مصر باطلاً وهم فى حصارهم كانوا ينتظرون فى أبراج المراقبة من يأتى ليخلصهم من حصار بابل ولكن بلا أمل حتى كلت أعينهم من إنتظار هذه المعونة. وهم حتى الأن ما زالوا ينتظرون المسيح ليأتى ويعينهم ولكنه إنتظار باطل فالمسيح قد أتى. وهم فى برجهم أى خلال كتبهم أى الكتاب المقدس بنبواته التى تشهد بأن المسيح آتٍ. هم لهم البرج أى الكتاب المقدس (العهد القديم طبعاً) ومن خلالهُ ينظرون وينتظرون ان يأتى المسيح الموعود به ولكن باطلاً فهو قد أتى ولذلك كلت عيونهم. وهم ينظرون أمة لا تخلص = هم الأن يتصورون أن تكوينهم دولة اى أمة سيخلصهم بدون الإيمان بالمسيح ولكنها دولة لا تخلص.

أية (18) لأنهم خدعوا أنفسهم ورفضوا المسيح الحقيقى فسيخدعهم إبليس = نصبوا فخاخاً وسيرسل لهم من يدعى أنه المسيح ولكنه هو الذى يُكمل نهاية من لم يؤمن بالمسيح إبن الله. قربت نهايتنا وكملت أيامنا = فهذه الأحداث مرتبطة بنهاية الأيام. هم خدعوا أنفسهم لذلك فمن السهل أن يخدعهم عدو الخير. ومن ينخدع ويسير وراء هذا المسيح الكاذب يكمل كأس غضب الله عليه ومن يرجع ويؤمن بالمسيح إبن الله ستكون لهُ حياة. وأما تفسير الأية على المدى القريب فالباًبليين نصبوا فخاخاً ومجانيق (قاذفات أحجار) ضد أورشيم لينهوا مقاومتها. وكانت حين تنصب هذه الأحجار يصبحون غير قادرين على السير فى ساحات المدينة. آية (19) عقب ثغر سور المدينة أنقض عليهم البابليون أسرع من النسور فلم يستطيعوا الهرب ومن هرب للجبال لحقوا به. وفى (20) حتى ملكهم الذى قالوا عنه فى ظِله نعيش.  أخذ فى حفرهم = قد يعنى هذا الملك صدقيا الذى أمسك به ملك بابل وكان أملهم أن يعيشوا تحت حمايته وحكمه وسط الأمم ولكن هذا الأمل ذهب عنهم. ولكن هذه الأية تنظر أيضاً لأحداث بعيدة. فمسيح الرب تشير للمسيح إبن الله وهو نفس أنوفهم الذى كانوا ينتظرونه كملك يعطيهم ملكاً وسط العالم ولكنهم صلبوه فأخِذَ فى حفرهم. وتعبير "نفس أنوفنا" هو تعبير كنعانى فيه مبالغة يستخدم لوصف الملوك. وأيضاً هناك تعبير آخر يستخدم عن الملوك وهو الظل = اي انهم يعيشون في ظله ليحميهم.  وقد وُجد التعبيران فى الإصطلاحات الكنعانية وأيضاً عن رمسيس الثانى فرعون مصر. ولكن المعنى أن الشعب اليهودى ينتظر المسيح المخلص بشوق يصل أن يصبح نفس أنوفهم، فهم يتنفسون هذا الإشتياق صباحاً ومساءً ولكن على المدى القريب قد يكون صدقيا هو نفس أنوفهم ليعيشوا تحت حكم بابل فى سلام.

 

آية (21):- " 21اِطْرَبِي وَافْرَحِي يَا بِنْتَ أَدُومَ، يَا سَاكِنَةَ عَوْصٍ. عَلَيْكِ أَيْضًا تَمُرُّ الْكَأْسُ. تَسْكَرِينَ وَتَتَعَرَّينَ."

 إذا كانت أية (20) تحدثنا عن أن مسيح الرب قد دُفن فنهاية إبليس أصبحت حتمية. والأية (21) تستعمل أسلوب رمزى للحديث عن إبليس فتستخدم إسم آدوم وذلك للعداوة التقليدية بين آدوم(عيسو) ويعقوب (شعب الله). فآدوم كانت فَرِحَة فَرْحَة شامتة فى خراب إسرائيل وأورشليم وهذا يزيد من ألام اليهود. ولكن النبى هنا بأسلوب تهكمى يقول لأدوم إطربى وإفرحى = فكأس آلامك قادم وسيخربك ملك بابل كما خرب أورشليم. وستسكر وتتعرى من هذا الكأس = أى ستتخبط فى كل مشوراتها وتفتضح مؤامراتها ضد شعب الله. وهكذا مع الشياطين فقد فضح الله كل مؤامراتهم وعداوتهم للبشر، وأفشل كل مؤامراتهم وخططهم لهلاك أولاده.

 

آية (22):- " 22قَدْ تَمَّ إِثْمُكِ يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ. لاَ يَعُودُ يَسْبِيكِ. سَيُعَاقِبُ إِثْمَكِ يَا بِنْتَ أَدُومَ وَيُعْلِنُ خَطَايَاكِ."

قارن مع (أش2:40) قد تم إثمك يا بنت صهيون = بالفداء سامح الله شعبه ولا يعود إبليس يسبيه فقد دفع الله الثمن من دمه ليحررنا. وسيعاقب إثمك يا بنت آدوم = أما الشيطان فسيفضحه الله ويعاقبه عقاب أبدى فى البحيرة المتقدة بالنار بلا أمل فى نجاة.