الإصحاح التاسع

 

رأى النبى سابقاً شر أورشليم والآن يرى الهلاك المعد. هنا نرى دور الملائكة فى تنفيذ الدينونة. فالنبى رأى ستة ملائكة بيدهم ألاتهم المهلكة ورأى الرب يغادر مكانه إلى عتبة البيت. ورأى شخص أُمِر أو أُرسِلَ ليضع سمة على جباه الأتقياء لتحفظهم من الضربات. فضربات الله محسوبة وهى ليست عشوائية، وليست على الكل.

 

الآيات (1-4):- " 1وَصَرَخَ فِي سَمْعِي بِصَوْتٍ عَال قَائِلاً: «قَرِّبْ وُكَلاَءَ الْمَدِينَةِ، كُلَّ وَاحِدٍ وَعُدَّتَهُ الْمُهْلِكَةَ بِيَدِهِ». 2وَإِذَا بِسِتَّةِ رِجَال مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ الأَعْلَى الَّذِي هُوَ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ عُدَّتُهُ السَّاحِقَةُ بِيَدِهِ، وَفِي وَسْطِهِمْ رَجُلٌ لاَبِسٌ الْكَتَّانَ، وَعَلَى جَانِبِهِ دَوَاةُ كَاتِبٍ. فَدَخَلُوا وَوَقَفُوا جَانِبَ مَذْبَحِ النُّحَاسِ. 3وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ صَعِدَ عَنِ الْكَرُوبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ. فَدَعَا الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الْكَتَّانِ الَّذِي دَوَاةُ الْكَاتِبِ عَلَى جَانِبِهِ، 4وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اعْبُرْ فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ، فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَسِمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَتَنَهَّدُونَ عَلَى كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الْمَصْنُوعَةِ فِي وَسْطِهَا». "

صرخ فى سمعى = الذى يصرخ عادة ما يكون ثائراً. والله هنا ثائر على كل هذه الشرور. ومن لا يسمع صوت الله اللطيف سيسمع صوت صراخ غضبه وتهديداته. بصوت عال = حتى يتأثر النبى ويبلغ الرسالة بأمانة. وكلاء المدينة = هؤلاء هم الملائكة الذين كانوا موكلين على إفتقاد وحماية المدينة، وتغيرت مهمتهم الآن بسبب الخطية، فلقد أعطوا مهمة تدمير المدينة. وكان عددهم ستة، فأبواب أورشليم كانت ستة وقادة جيوش البابليين كانوا ستة. إذاً كانوا لكل منهم عدته الساحقة فى يده = والعدة الساحقة هنا كانت قائد من القادة لكل ملاك. ويبدو أن الملائكة كانوا يقودون القادة للتدمير. وهم أتوا من الشمال = حيث كان تمثال الغيرة موجوداً. وهم دخلوا ووقفوا بجانب مذبح النحاس = هنا النحاس كما قلنا يشير للدينونة (صفحة 9). فعملهم الأن تدمير الشعب الذى أهان مذبح الله. وكان وسطهم رجل لابس كتان = الكتان هو ما يلبسه الكهنة علامة البر والقداسة. ودواة الكاتب على جانبه = هذا المنظر هو منظر المحامين القدماء. فمن هو هذا الشخص البار الذى يدافع عن البشر ؟ ليس هو إلا السيد المسيح الشفيع لدى الآب. وهو هنا قد جاء لينقذ خاصته من سيف العدالة الإلهية. ولاحظ أن الله إستدعى الملائكة ولكنه لم يستدعى هذا الشخص. ولكننا نسمع وقال له الرب = هذه تساوى قال الرب لربى مز 110 : 1. وكان طلب الرب من هذا الشفيع أن يضع سمة على جباه الذين يئنون على الرجاسات = وهذا هو نفس ما حدث فى رؤ 7 : 1 – 3. والعجيب أن كلمة سمة فى اللغة الأصلية تعنى علامة لها شكل صليب. فى هذا إشارة لإنقاذ المسيح للأبرار بدم صليبه، وهذا ما تم فى أن خروف الفصح أنقذ من الموت من صبغ أبوابه به. لقد عبر ملاك الموت عن البيوت التى صبغت أبوابها بدم خروف الفصح وهنا فالملائكة المهلكون سيعبروا دون أن يهلكوا مَن عليه السمة التى وضعها الرب. دواة كاتب = المحامى يحتاج لدواة ليكتب بها أوراق دفاعه عن المتهم، أما ربنا يسوع فدواته هى دماء جراحه التى يضع بها سمة على جباه عبيده المؤمنين، وهذه العلامة هى بشكل غير مرئى لنا الآن، لكنها مرئية أمام الملائكة المهلكين. ونفهم أن الروح القدس الذى ختمنا به أف 1 : 13 هو من إستحقاقات دم المسيح. فمن هو ممتلئ من الروح القدس كالعذارى الحكيمات سيكون هنا ظاهراً أمام الملائكة، فالروح القدس هو نار لا نراها نحن، بل يراها الملائكة، وهم سيعبروا دون أن يهلكوا من لا يطفئ الروح الذى فيه، أى حافظ على السمة التى أخذها 1تس 5 : 19 والروح القدس قيل عنه أنه كاتب مزمور 45 : 1. ويكون الرجل الذى دواة الكاتب على جانبه، هو المسيح الذى إذ طعن فى جانبه خرج دم وماء. الدم الذى يقدس، والماء رمز للروح القدس الذى سنختم به فى سر الميرون... لكن على كل مؤمن أن يضرم هذه الموهبة حتى لا تنطفئ 2تى 1 : 6 وإذا إنطفأت تضيع السمة، ويكون مع العذارى الجاهلات. والرب لم يستدع هذا الشخص اللابس الكتان، بل فى قوله قَرِب وكلاء المدينة = هو قول الآب للإبن أن يغير خطة العمل لهؤلاء الملائكة( أليست يده تحت أجنحتهم 1 : 8 ) أى هو الذى يحملهم ويحركهم وهو رأسهم لذلك نراه الأن فى وسطهم = فى وسطهم رجل لابس كتان. ولاحظ أن الله دائماً ينقذ خاصته كما أنقذ لوط وإبنتيه، ونوح وعائلته. وطالما فهمنا أن السمه هى الإمتلاء من الروح القدس (المسيح على جانبه دواة كاتب أى يرسل الروح القدس للمؤمنين) فمن يمتلئ أى تكون له هذه السمة لن ينجو فقط من الضربات، بل تكون له تعزية وسلام وسط الضيقات. ولكن هذه السمة لمن يتنهد على الشرور أى يكرهها وليس فقط لا يفعلها. ولكن لاحظ قبل هذه الضربات أن مجد إله إسرائيل ينتقل من على تابوت العهد بين الكاروبين إلى عتبة البيت. وحينما يغادر مجد الله مكاناً يصير هذا المكان عرضة لكل الضربات. ولاحظ أيضاً طريقة مغادرة مجد الله للمكان فى 9 : 3 ثم 10 : 18، 19 ثم 11 : 22، 23 فالله يغادر المكان الذى أحبه متمهلاً كأنه كاره لهذا، أو كأنه ينتظر أن يدعوه أحد ليبقى فيبقى. وهكذا يعمل الله مع الناس فهو يغادرهم خطوة خطوة.

ملحوظة أخيرة :- رجل لابس الكتان (هذه ملابس الكهنة) فالمسيح هو رئيس كهنتنا الذى قدم ذبيحة نفسه فصار شفيعاً لنا. سِمْ سِمَة هذه تعنى أن المسيح يرسل روحه القدوس لنا يو 14 : 26 + يو 15 : 26 + يو 16 : 7

 

الآيات (5-11):- "5لاَ تُشْفُقْ أَعْيُنُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا. 6اَلشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ، اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ. وَلاَ تَقْرُبُوا مِنْ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ، وَابْتَدِئُوا مِنْ مَقْدِسِي». فَابْتَدَأُوا بِالرِّجَالِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَمَامَ الْبَيْتِ. 7وَقَالَ لَهُمْ: «نَجِّسُوا الْبَيْتَ، وَامْلأُوا الدُّورَ قَتْلَى. اخْرُجُوا». فَخَرَجُوا وَقَتَلُوا فِي الْمَدِينَةِ. 8وَكَانَ بَيْنَمَا هُمْ يَقْتُلُونَ، وَأُبْقِيتُ أَنَا، أَنِّي خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ وَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ! هَلْ أَنْتَ مُهْلِكٌ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ كُلَّهَا بِصَبِّ رِجْزِكَ عَلَى أُورُشَلِيمَ؟». 9فَقَالَ لِي: «إِنَّ إِثْمَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا عَظِيمٌ جِدًّا جِدًّا، وَقَدِ امْتَلأَتِ الأَرْضُ دِمَاءً، وَامْتَلأَتِ الْمَدِينَةُ جَنَفًا. لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الرَّبُّ قَدْ تَرَكَ الأَرْضَ، وَالرَّبُّ لاَ يَرَى. 10وَأَنَا أَيْضًا عَيْنِي لاَ تَشْفُقُ وَلاَ أَعْفُو. أَجْلِبُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ». 11وَإِذَا بِالرَّجُلِ اللاَّبِسِ الْكَتَّانِ الَّذِي الدَّوَاةُ عَلَى جَانِبِهِ رَدَّ جَوَابًا قَائِلاً: «قَدْ فَعَلْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي»."

الضربات كانت على الشيوخ أولاً أى الكهنة = إبتدئوا من مقدسى (قارن مع 1بط 4 : 17، 18) فمن يعرف أكثر يطالب بأكثر. والأمر هنا أن تكون الضربات بلا شفقة. ولكن الذين كان لهم السمة لا يمسوا. وهذا ما تم مع أرمياء النبى مثلاً، فلقد أكرمه ملك بابل جداً. وملك بابل كما عرفنا هو العدة المهلكة ولكنها ليست موجهة لخاصة الله من الشعب. والضربات بدأت بالكهنة فهم المسئولين عن إفساد الشعب. وبدأت بالهيكل الذى دنسوه، فهذه الضربات إذن هى للتطهير. وهنا وقف النبى فى موقف الشفيع لقلبه الحانى على شعبه. ومن رحمة الله أنه يقبل مناقشة عبيده له. ولكن الأرض كانت قد إمتلأت جنفاً = أى إنحراف وفساد وخطية، ولم يعد هناك من يستحق الرحمة، فهناك شروط لقبول الشفاعة (كشفاعة النبى هنا)، ولكن هذه الشروط لم تكن متوفرة فى هذا الشعب الفاسد. ولاحظ أن الملائكة المخربين لم يقدموا تقريراً عن عملهم لله، فهى أخبار سيئة، وليست سارة لهم ولا لله نفسه ولا للنبى. وهى لم تحدث بعد. أما المسيح فأخبر الآب وسمع النبى البشارة أنه وضع ختمه على من يستحق، وهذه لا تعني ان الآب كان لا يعرف ، فالآب والابن واحد ، بل هي اعلان فرحة الآب بأن ابنه تمم الخلاص وارسل الروح القدس ( الختم) . اي الفداء وتجديد اولاد الله الذي به عاد أبناء الله الي حضنه .

بقية إسرائيل = المقصود أورشليم ويهوذا، فالمملكة الشمالية (إسرائيل) كانت قد أنتهت من عشرات السنين فى سبى أشور سنة 722 ق م وأصبح إسم إسرائيل يطلق على يهوذا.