الإصحاح الثالث عشر

 

في هذا الإصحاح نرى أن الخطية سببت الموت والله يقدم نفسه كملك حقيقي قادر أن يقيمنا من الموت.

 

الآيات (1-3):- "1لَمَّا تَكَلَّمَ أَفْرَايِمُ بِرَعْدَةٍ، تَرَفَّعَ فِي إِسْرَائِيلَ. وَلَمَّا أَثِمَ بِبَعْل مَاتَ. 2وَالآنَ يَزْدَادُونَ خَطِيَّةً، وَيَصْنَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ تَمَاثِيلَ مَسْبُوكَةً مِنْ فِضَّتِهِمْ، أَصْنَامًا بِحَذَاقَتِهِمْ، كُلُّهَا عَمَلُ الصُّنَّاعِ. عَنْهَا هُمْ يَقُولُونَ: «ذَابِحُو النَّاسِ يُقَبِّلُونَ الْعُجُولَ». 3لِذلِكَ يَكُونُونَ كَسَحَابِ الصُّبْحِ، وَكَالنَّدَى الْمَاضِي بَاكِرًا. كَعُصَافَةٍ تُخْطَفُ مِنَ الْبَيْدَرِ، وَكَدُخَانٍ مِنَ الْكُوَّةِ. "

آية (1) لَمَّا تَكَلَّمَ أَفْرَايِمُ بِرَعْدَةٍ = أي حينما سلك بمخافة الله صار مقامه رفيعاً بين الأسباط = تَرَفَّعَ فِي إِسْرَائِيلَ. وَلَمَّا أَثِمَ بِبَعْل مَاتَ = حينما أخطأ بعبادته للبعل انفصل عن الله مصدر الحياة فمات (وهذا ما حدث لآدم) والخطية تجتذب الخاطئ إلى خطية أخرى وهكذا = وَالآنَ يَزْدَادُونَ خَطِيَّةً = بسبب فساد الطبيعة وأقاموا لأَنْفُسِهِمْ تَمَاثِيلَ مَسْبُوكَةً يتعبدون لها (والناس الآن تتعبد للمال والشهوة والذات والقوة...) وانتشر بينهم مثل = عَنْهَا هُمْ يَقُولُونَ: ذَابِحُو النَّاسِ يُقَبِّلُونَ الْعُجُولَ = ذابحو الناس هم كهنة هذه الأوثان ، أو كل من يعلم الأخرين الخطية وكأنهم بهذا يذبحونهم لذلك نصلي "نجني من الدماء يا الله" أي دماء من كنت أنا سبباً في عثرتهم. وهؤلاء الكهنة كانوا يدعون الناس ليقبلوا العجول كنوع من العبادة. وماذا تكون آخرة هؤلاء؟ يختفي مجدهم ويكونون سَحَابِ الصُّبْحِ = مخادع يبشر بالمطر ولكن ما أن تشرق الشمس حتى يختفي تماماً وَكَالنَّدَى بَاكِرًا = سريعاً ما يزول دون أن يروى الأرض ويكونون كَعُصَافَةٍ = يطرح بها في كل جانب وَكَدُخَانٍ مِنَ الْكُوَّةِ = سرعان ما ينقشع. هؤلاء الذين ينفصلوا عن الله حتى ولو نجحوا فإن ذلك يكون لزمن قليل جداً.

 

الآيات (4-6):- "4«وَأَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَإِلهًا سُوَايَ لَسْتَ تَعْرِفُ، وَلاَ مُخَلِّصَ غَيْرِي. 5أَنَا عَرَفْتُكَ فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ الْعَطَشِ. 6لَمَّا رَعَوْا شَبِعُوا. شَبِعُوا وَارْتَفَعَتْ قُلُوبُهُمْ، لِذلِكَ نَسُونِي. "

الله هنا يؤكد عمله الخلاصي لهم. فهو يؤكد لهم أنه وحده الذي خلَّصهم ورعاهم وأشبعهم في البرية إلاّ أنهم تركوه. ومن المؤلم أن الجسد حين يشبع ينسى الله. أَنَا عَرَفْتُكَ = جاءت في السبعينية "أنا رعيتك".

 

الآيات (7-8):- "7«فَأَكُونُ لَهُمْ كَأَسَدٍ. أَرْصُدُ عَلَى الطَّرِيقِ كَنَمِرٍ. 8أَصْدِمُهُمْ كَدُبَّةٍ مُثْكِل، وَأَشُقُّ شَغَافَ قَلْبِهِمْ، وَآكُلُهُمْ هُنَاكَ كَلَبْوَةٍ. يُمَزِّقُهُمْ وَحْشُ الْبَرِّيَّةِ. "

الله القدوس يقف أمام الخطية في حزم وفي مرارة نفس فكم يشق على الله أن يكون كأسد ضد أولاده وكنمر يرصد على الطريق ليفترسهم والمعنى أن الله سيعاقبهم على كل خطية. ولأن الخطايا إزدادت جداً فهو أخذ يرصد عليهم كل خطية لهم وسيصْدِمُهُمْ كَدُبَّةٍ مُثْكِل = وبذلك تزداد نكباتهم وحشية وقسوة وسيشعرهم الله بالغيظ الذي أغاظوه به = أشق شغاف قلوبهم ولقد ارتفعت قلوبهم لكن الله سوف يتخذ معهم طريقة فعالة = أشق شغاف قلوبهم. ولقد ارتفعت قلوبهم لكن الله سوف يتخذ طريقة فعالة ليذلها = يُمَزِّقُهُمْ وَحْشُ الْبَرِّيَّةِ فمن يسئ إلى الله ويزداد في فجوره يتحول له الله من راعٍ محب لوحش مفترس.

 

الآيات (9-13):- "9«هَلاَكُكَ يَا إِسْرَائِيلُ أَنَّكَ عَلَيَّ، عَلَى عَوْنِكَ. 10فَأَيْنَ هُوَ مَلِكُكَ حَتَّى يُخَلِّصَكَ فِي جَمِيعِ مُدُنِكَ؟ وَقُضَاتُكَ حَيْثُ قُلْتَ: أَعْطِنِي مَلِكًا وَرُؤَسَاءَ؟ 11أَنَا أَعْطَيْتُكَ مَلِكًا بِغَضَبِي وَأَخَذْتُهُ بِسَخَطِي. 12«إِثْمُ أَفْرَايِمَ مَصْرُورٌ. خَطِيَّتُهُ مَكْنُوزَةٌ. 13مَخَاضُ الْوَالِدَةِ يَأْتِي عَلَيْهِ. هُوَ ابْنٌ غَيْرُ حَكِيمٍ، إِذْ لَمْ يَقِفْ فِي الْوَقْتِ فِي مَوْلِدِ الْبَنِينَ. "

معنى الآية (9) أن ما تسبب في هَلاَكُكَ يَا إِسْرَائِيلُ أنك وقفت ضد الله والله هو الذي يعينك= أَنَّكَ عَلَيَّ = ضد الله. عَلَى عَوْنِكَ = فالله هو الذي يعينك ضد أعداءك، فلو تركك الله لخربت فهم هلكوا بسبب تصرفاتهم المهلكة التي تقودهم للموت، وأمّا خلاصهم ففي ملكهم (الله) المرفوض هذا الذي نسوه طالبين لهم ملكاً حسب هواهم (البعليم) والله هنا يذكرهم بقصة طلبهم ملك من صموئيل النبي، وكان هذا رفضاً لملك الله عليهم. ولكن الله تركهم لرغبتهم وأعطاهم ملكاً بحسب رغبة قلبهم ولكنه غضب من موقفهم = أَنَا أَعْطَيْتُكَ مَلِكًا بِغَضَبِي ولكن بسبب شروره سحبه منهم = وَأَخَذْتُهُ بِسَخَطِي.هذا حدث مع شاول الملك ويحدث الآن مع إسرائيل التي تترك الله وتذهب للبعل. وتكرر ثالثة في رفضهم للمسيح، فهم يطلبون ملكاً غير المسيح ولكن لن يخلصهم غير المسيح كما لم يخلصهم سابقاً سوى داود الصغير في بيت أبيه. وهم بدون المسيح يسألهم الله... 10فَأَيْنَ هُوَ مَلِكُكَ حَتَّى يُخَلِّصَكَ = المعنى أي ملك أو أي رئيس لهم سيخلصهم من غضب الله. وكما أختاروا لأنفسهم ملكاً سابقاً ولم يخلصهم ولم يقم المملكة سوى داود. فلم يخلصهم المسيح الذي مازالوا ينتظرونه وهم مازالوا ينتظرون لذلك سيعطيهم الله حسب شهوة قلوبهم. فلأجل تأديبنا يسمح الله لنا أن ننال ما نشتهيه لندرك حاجتنا إلى قبول إرادة الله، لا تنفيذ إرادتنا الذاتية. ورفضهم للمسيح لا ينساه الله لهم= إِثْمُ أَفْرَايِمَ مَصْرُورٌ. خَطِيَّتُهُ مَكْنُوزَةٌ = أنهم صاروا كسيدة تحمل في داخلها جنين . فالمخاض بآلامه قادم لا محالة = مَخَاضُ الْوَالِدَةِ يَأْتِي عَلَيْهِ. وهم حبالي بالخطية (يع15:1) والمخاض هنا هو الآلام التي عانوا منها مع شاول الملك، أو هي الآلام التي عانوا منها على يد أشور إذ رفضوا الله واختاروا البعليم، أو هي الآلام التي عانوا منها إذ صلبوا المسيح، أو هي الآلام التي سيعانوا منها إذ يقبلوا ضد المسيح. هم انخدعوا في أيام بحبوحة العيش وظنوا أن الله سيغفر لهم أي خطايا، أليس هم شعبه المختار، بل هم يعتبرون غناهم وقوتهم دليلاً على رضا الله عليهم، والنبي يقول لا فخطيتهم مكنوزة ومحفوظة عند الله والله سيعاقب عليها، فالسيدة الحامل لابد وستعاني من آلام المخاض، وانتم تحملون ذنب رفض المسيح فلابد وأنكم ستعانون وقد يكون هذا هو منطق اليهود الآن فهم في غني ولهم دولة وربما ظنوا أن الله قد نسى صلبهم للمسيح ولكن هذا خطأ فالله ما زال حافظاً لهم خطيتهم البشعة في صلب المسيح وذلك حتى يؤمنوا بالمسيح. هُوَ ابْنٌ غَيْرُ حَكِيمٍ = هو ابن لم يفكر في عقوبة أبيه فارتكب الشر، وهو غير حكيم أيضاً إِذْ لَمْ يَقِفْ فِي الْوَقْتِ فِي مَوْلِدِ الْبَنِينَ = حين وُلِدَتْ الكنيسة وصار المسيحيين أبناء لله لم يكن هو بين هؤلاء البنين بل كان في غير حكمة متمرداً على الله أَنَا أَعْطَيْتُكَ مَلِكًا بِغَضَبِي وَأَخَذْتُهُ بِسَخَطِي = هذه تنطبق على شاول الملك وتنطبق على إسرائيل وقت نبوة هوشع فالله أعطاهم ملكاً ولكن بسبب شرورهم سحب الله الملك منهم وأسلمهم في سخطه ليد ملك أشور. وهذا حدث مع يهوذا إذ أسلمهم الله ليد ملك بابل. ثم أعادهم الله بعد أن أدبهم وعاد وسحب منهم كل شئ بعد صلبهم للمسيح وأسلمهم ليد الرومان، وهم بموقفهم الأخير مع المسيح صاروا كطفل في رحم أمَّه. حين جاءت الساعة لولادته ظل في داخل بطن أمَّه ولم يخرج وهذا تسبب في موته، فإسرائيل الآن برفضها للمسيح رفضت الولادة الجديدة والبنوة لله فماتت وهذا هو موقف كل من يؤخَّر خروجه للحياة، ويعرض نفسه للموت مع استمرار آلام المخاض. أي آلامه بسبب خطاياه.

 

الآيات (14-16):- "14«مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ الْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ. أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ تَخْتَفِي النَّدَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ». 15وَإِنْ كَانَ مُثْمِرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ، تَأْتِي رِيحٌ شَرْقِيَّةٌ، رِيحُ الرَّبِّ طَالِعَةً مِنَ الْقَفْرِ فَتَجِفُّ عَيْنُهُ وَيَيْبَسُ يَنْبُوعُهُ. هِيَ تَنْهَبُ كَنْزَ كُلِّ مَتَاعٍ شَهِيٍّ. 16تُجَازَى السَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ، وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ. "

في بداية الإصحاح قال " ولما أثم ببعل مات" هذه هي مشكلة الإنسان فبعد أن خلقه الله على أكمل وجه اختار طريق الخطية والموت " أنا أختطفت لي قضية الموت" ولم يكن هناك ملك يخلصه كما قال في آية (10) من هذا المصير المظلم المحتوم. ولكن المسيح الملك المرفوض من اليهود بفدائه على الصليب نزع عنّا سلطان الموت. وهنا نجد الله يعطي للإنسان وعداً بهذا = مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ الْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ = فالله لم يخلص شعبه من السبي فقط، بل هو يعد هنا بأن يخلص الإنسان عموماً من الموت فهو بموته داس الموت وبقوة حياته الأبدية حين مات بالجسد ابتلع الموت فهو بموته داس الموت وبقوة حياته الأبدية حين مات بالجسد ابتلع الموت وبعد أن كان الموت مخيفاً مرعباً صار مجرد انتقال في انتظار أمجاد الحياة الأبدية، ولذلك يتهلل النبي ومن ورائه بولس الرسول مردداً أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ (1كو55:15) وهذه الآية مترجمة في ترجمات أخرى "وأكون هلاكك أيها الموت أو أكون وباؤك أيها الموت وأكون خرابك أيتها الهاوية" بمعنى أن صليب المسيح كان كالوباء المدمَّر للموت وللهاوية . وحين يرى المؤمن هذا يسخر من الموت قائلاً أَيْنَ شَوْكَتُكِ = شوكة = STING هي حُمة العقرب أو لسعة العقرب المميتة التي تضع السم في جسم من تلسعه. صار الموت كعقرب ولكن بدون حُمة، مؤلم حقا لكنه لا يميت ، لأن الموت الجسدي ما عاد يفصلنا عن الله ، فحياة المسيح فينا . وعمل الله هذا ثابت ومقرر وبدون ندامة ولا تغيير في وعده = تَخْتَفِي النَّدَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ = أي لا أتراجع فيما وعدت به. وآية (15) كلمة أفرايم تعني مثمر= 15وَإِنْ كَانَ مُثْمِرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ. وافرايم هي إشارة لإسرائيل. ولكن بسبب أنهم رفضوا المسيح الحقيقي وقبلوا ضد المسيح ستأتي رِيحٌ شَرْقِيَّةٌ عليه. وهي ريح مضرة قوية جداً تتلف وتخرب جميع أملاكهم. وهذا تحقق في السبي الآشوري لمملكة العشرة أسباط أي إسرائيل. وهذا السبي أتي عليهم من الشرق، وهذا الهجوم حطَّم إسرائيل تماماً، كما هو موصوف هنا والسبب في (16) لأن السَّامِرَةُ قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلهِهَا ولكن هذا الوعيد سيتكرر ثانية في نهاية الأيام ويخرب مجدهم كله الذي فرحوا به لقبولهم ضد المسيح.