الإصحاح الثامن

 

الآيات (1-3):- "1هكَذَا أَرَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ وَإِذَا سَلَّةٌ لِلْقِطَافِ. 2فَقَالَ: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا عَامُوسُ؟» فَقُلْتُ: «سَلَّةً لِلْقِطَافِ». فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «قَدْ أَتَتِ النِّهَايَةُ عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. لاَ أَعُودُ أَصْفَحُ لَهُ بَعْدُ. 3فَتَصِيرُ أَغَانِي الْقَصْرِ وَلاَوِلَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، الْجُثَثُ كَثِيرَةٌ يَطْرَحُونَهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِالسُّكُوتِ»."

الرؤيا الرابعة:- رؤيا سلة القطاف:-

السبب الرئيسي الذي يجعل الخطاة يؤجلون توبتهم من يوم إلى يوم انهم يظنون أن الله يؤجل قصاصاته. ولذلك فهنا يشبه الله إسرائيل بسَلَّةٌ لِلْقِطَافِ أي سلة مملوءة بفاكهة الصيف يتهيأ من حولها لالتهامها. فهم مهيأون فوراً للهلاك = قَدْ أَتَتِ النِّهَايَةُ وفي العبرية فكلمة النهاية قريبة من كلمه القطاف أو فاكهة الصيف. فالخطاة إن لم يضعوا نهاية للخطية وضع الله نهاية لهم. أَغَانِي الْقَصْرِ = أغاني أفراحهم أو أغاني هياكل أوثانهم. والموت يسود = الْجُثَثُ كَثِيرَةٌ يَطْرَحُونَهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِالسُّكُوتِ = خائفين من أن العدو يسمع صوت ولولتهم فينقلهم هم أيضا. فالله أعطاهم فرصاً كثيرة بطول أناة وهم استهانوا بها فأتي الهلاك عليهم.

 

الآيات (4-10):- "4اِسْمَعُوا هذَا أَيُّهَا الْمُتَهَمِّمُونَ الْمَسَاكِينَ لِكَىْ تُبِيدُوا بَائِسِي الأَرْضِ، 5قَائِلِينَ: «مَتَى يَمْضِي رَأْسُ الشَّهْرِ لِنَبِيعَ قَمْحًا، وَالسَّبْتُ لِنَعْرِضَ حِنْطَةً؟ لِنُصَغِّرَ الإِيفَةَ، وَنُكَبِّرَ الشَّاقِلَ، وَنُعَوِّجَ مَوَازِينَ الْغِشِّ. 6لِنَشْتَرِيَ الضُّعَفَاءَ بِفِضَّةٍ، وَالْبَائِسَ بِنَعْلَيْنِ، وَنَبِيعَ نُفَايَةَ الْقَمْحِ». 7قَدْ أَقْسَمَ الرَّبُّ بِفَخْرِ يَعْقُوبَ: «إِنِّي لَنْ أَنْسَى إِلَى الأَبَدِ جَمِيعَ أَعْمَالِهِمْ. 8أَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ هذَا تَرْتَعِدُ الأَرْضُ، وَيَنُوحُ كُلُّ سَاكِنٍ فِيهَا، وَتَطْمُو كُلُّهَا كَنَهْرٍ، وَتَفِيضُ وَتَنْضُبُ كَنِيلِ مِصْرَ؟ 9وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أَنِّي أُغَيِّبُ الشَّمْسَ فِي الظُّهْرِ، وَأُقْتِمُ الأَرْضَ فِي يَوْمِ نُورٍ، 10وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ نَوْحًا، وَجَمِيعَ أَغَانِيكُمْ مَرَاثِيَ، وَأُصْعِدُ عَلَى كُلِّ الأَحْقَاءِ مِسْحًا، وَعَلَى كُلِّ رَأْسٍ قَرَعَةً، وَأَجْعَلُهَا كَمَنَاحَةِ الْوَحِيدِ وَآخِرَهَا يَوْمًا مُرًّا! "

الْمُتَهَمِّمُونَ = في ترجمه أخري "الظامئون إلى دم المحتاج". أي كان هؤلاء الظالمين عطشى لدم البائسين أي إلى أرضهم ومحاصيلهم التي يعيشون عليها. أما المسيح فأفتقر ليغنينا (2كو 9:8). وفي آية (5) رَأْسُ الشَّهْرِ = كان يوماً مقدساً يقدمون فيه ذبائح خصوصية، وتضرب الأبواق (عدد11:28-15+10:10) ويمتنعون فيه عن أشغالهم العادية. وهم كانوا يتمنون أن يمر رأس الشهر والسبوت وغيرها من الأعياد سريعاً ليعودوا لتجارتهم بالغش التي يحققون منها مكاسب كبيرة، فهم ضاقوا ذرعاً بالأعياد حيث تتوقف التجارة، وهذا يسبب لهم خسائر مادية. لِنُصَغِّرَ الإِيفَةَ، وَنُكَبِّرَ الشَّاقِلَ = موازينهم موازين غش فهم امتنعوا عن العمل ظاهرياً ولكن بلا تقوي في القلب ، بل الغش والظلم يملأن القلب. هي صورة مؤلمة للنفس التي صارت تستثقل خدمة الرب ويوم الرب. وهم يبيعون الحبوب بالأيفة لذلك يصغرون الإيفة ويشترون بالشاقل من المزارعين المساكين لذلك فهم يكبرون الشاقل. وهو أصبحوا يشترون المساكين كعبيد (6) بِفِضَّةٍ، وَالْبَائِسَ بِنَعْلَيْنِ = حين لا يقدر هؤلاء المساكين على الدفع يشترونهم كعبيد وَبِيعَهم نُفَايَةَ الْقَمْحِ = قد تكون نفاية القمح (1) القمح الفاسد وهذا يبيعونه للفقراء على أنه جيد أو (2) هذا ما تبقي من الجمع في الحقل، أو ما نسيه الشخص في الحقل وبحسب الشريعة لا يرجع صاحب الحقل ليأخذه بل يتركه للفقراء (تث19:24). وفي جمعهم لنفاية الحقل وبيعها مخالفة للناموس وكسر لقانون المحبة، فمن أين يجد الفقراء ليأكلوا. هم باعوا حق الفقراء بالفضة، وإذ لا يجد الفقير فضة ليشتري قمحاً ليحيا هو وأولاده أعطوه قمحاً، ولكن اشتروه بالفضة وباعوه كعبد. أَقْسَمَ الرَّبُّ بِفَخْرِ يَعْقُوبَ = أي بنفسه فهو فخر يعقوب ومجده. بأنه لن ينسى هذا الظلم وستَرْتَعِدُ الأَرْضُ، وَيَنُوحُ كُلُّ سَاكِنٍ فِيهَا. وتكون هذه الرعدة كفيضان النيل. فقصاصات الله عليهم ستأتي كفيضان يكتسح كل شئ. تَفِيضُ وَتَنْضُبُ = تكتسح وتغرق في ترجمات أخري. وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ = حين يأتي الخراب أنه سيأتي بغتة فيتحول نورهم إلى ظلام = أُغَيِّبُ الشَّمْسَ فِي الظُّهْرِ، وَأُقْتِمُ الأَرْضَ فِي يَوْمِ نُورٍ = فبعد أن كان كل شئ بهياً مفرحاً إذ به صار مظلماً قاتماً. وتنتهي فيه مباهج حياتهم. هكذا قصاصات الله مرعبة للخطاة. هذه لعنة الخطية ولكن نشكر الله الذي حمل خطايانا ولعنتها، بل صار خطية من أجلنا يوم الصليب الذي فيه غابت الشمس في الظهر. وبذلك تصبح هذه الآية فِي ذلِكَ الْيَوْمِ... إني أُغَيِّبُ الشَّمْسَ = نبوة واضحة عن يوم الصليب، حيث حمل المسيح ألامنا التي جلبناها على أنفسنا. وفي يوم الصليب أيضا ارتعدت الأرض بزلزال شقق الأرض وقام الموتي، وفيه أنشق حجاب الهيكل ورُفِض اليهود نهائياً وتشتتوا في العالم لرفضهم المسيح، وتحولت أَعْيَادَكُمْ نَوْحًا وفقدوا هيكلهم فتحولت أَغَانِيكُمْ لمَرَاثِيَ (ومازالوا يبكون عند حائط المبكي) ولبسوا المسح على الأحقاء حين أسلمهم الله للأمم لمدة حوالي 2000سنة وحزنهم كَمَنَاحَةِ الْوَحِيدِ = أي حزن شديد جداً. وَآخِرَهَا يَوْمًا مُرًّا = هو اليوم الذي يقبلون فيه ضد المسيح، حين ينطلق الشيطان وتأتي الضيقة العظيمة.

 

الآيات (11-14):- "11«هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أُرْسِلُ جُوعًا فِي الأَرْضِ، لاَ جُوعًا لِلْخُبْزِ، وَلاَ عَطَشًا لِلْمَاءِ، بَلْ لاسْتِمَاعِ كَلِمَاتِ الرَّبِّ. 12فَيَجُولُونَ مِنْ بَحْرٍ إِلَى بَحْرٍ، وَمِنَ الشِّمَالِ إِلَى الْمَشْرِقِ، يَتَطَوَّحُونَ لِيَطْلُبُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ فَلاَ يَجِدُونَهَا. 13فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَذْبُلُ بِالْعَطَشِ الْعَذَارَى الْجَمِيلاَتُ وَالْفِتْيَانُ، 14الَّذِينَ يَحْلِفُونَ بِذَنْبِ السَّامِرَةِ، وَيَقُولُونَ: حَيٌّ إِلهُكَ يَا دَانُ، وَحَيَّةٌ طَرِيقَةُ بِئْرِ سَبْعٍ. فَيَسْقُطُونَ وَلاَ يَقُومُونَ بَعْدُ»."

في أيام النهاية سيكون هناك جوع وعطش لكلمة الله الحقيقية التي تشبع وتروي. فالعالم يسير وراء الضلال ووراء شهواته. ولأن البشر لا يطلبون الله بالحقيقة سيعطيهم الله شهوة قلوبهم ويطلق لهم الشيطان من أسره فينطلقون وراء شهوات العالم ليشبعوا منها، ولكن هذه لا تشبع ولا تروي. وبذلك يكون العالم في حالة جوع وعطش وفراغ روحي. وهذه الحالة يصاحبها آلام نفسية وتحطيم نفس، وتملأ النفوس كآبة لأنها قد انفصلت عن سر شبعها وفرحها "الله" وانجذبت لشهوتها، ولا اشتراك للنور مع الظلمة، ولذلك هم يَجُولُونَ مِنْ بَحْرٍ إِلَى بَحْرٍ = وماء البحر مالح ويحاولون أن يرتووا منه لكنهم يزداد عطشهم. هم تركوا الله ينبوع الماء الحي وذهبوا ينقرون لأنفسهم آبارا  مشققه لا تضبط ماء (أر2: 13) ويبحثون عن كلمة الله من الشمال للشرق، أي في كل مكان ولكنهم لا يجدونها. أليس هذا هو حال العالم اليوم. ولنلاحظ ارتفاع عدد حالات الانتحار والالتجاء إلى الأطباء النفسيين. بل الأدهى اللجوء للشياطين والسحر في أكثر بلاد العالم تقدماً. هم يبحثون عن شئ لكنهم يتخبطون غير راغبين في البحث بأمانة عن الله، وستزداد هذه الحالة مع قرب النهاية وظهور ضد المسيح. وتركز الآيات على أن هذا يتم بصورة أوضح في أرض إسرائيل من دان شمالاً إلى بِئْرِ سَبْعٍ جنوباً لأن أرض إسرائيل هي مسرح أحداث النهاية. وكل العمي الذي يصيب اليهود اليوم سببه البرقع الذي على عيونهم (2كو15:3). فكيف يجدون الرب وقد وضعوا البرقع على عيونهم. لذلك هم سيضلون وراء ضد المسيح حين يظهر، لأنهم رفضوا المسيح الحقيقي. تَذْبُلُ بِالْعَطَشِ الْعَذَارَى الْجَمِيلاَتُ (جمالهم سينتهي) وَالْفِتْيَانُ (قوتهم ستنتهي). الله هو سر جمالهم وقوتهم لكن حين تركوه فقدوا جمالهم وقوتهم. الَّذِينَ يَحْلِفُونَ بِذَنْبِ السَّامِرَةِ، وَيَقُولُونَ: حَيٌّ إِلهُكَ يَا دَانُ، وَحَيَّةٌ طَرِيقَةُ بِئْرِ سَبْعٍ = الخطية التي اتهموا بها أنهم يحلفون بذنب (إله) السامرة = أي الصنم الذي في بيت أيل الذي يعبده إسرائيل وعاصمتها السامرة. فهم افتخروا بخزيهم وقالوا "حي إلهك يادان" أي يحلفون بهذا العجل الذهبي متوهمين انهم يعبدون الله عبادة صحيحة. ويتخيلون أن طريقتهم في العبادة ومعرفتهم هي الصحيحة = وَحَيَّةٌ طَرِيقَةُ بِئْرِ سَبْعٍ = ولا يدرون أن هذا لخزيهم وهم الآن يرفضون المسيح ومازالوا ينتظرون مجيء المسيح، وهم مصرين ان طريقتهم هي الصحيحة. ولذلك سيقبلوا ضد المسيح متي جاء وسيكون هذا ذنب السامرة وسيكون هذا لخزيهم حين يحلفوا أي يسيروا وراء ضد المسيح. ولذلك هم يَسْقُطُونَ وَلاَ يَقُومُونَ. وكأن الآيات تشير للمنطقة التي ستحدث فيها هذه الأحداث من البحر للبحر = أي من البحر المتوسط إلى البحر الميت ومن دان إلى بئر سبع.