الإصحاح الثالث

 

الآيات (1-7):- "1وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ. كُلُّهَا مَلآنَةٌ كَذِبًا وَخَطْفًا. لاَ يَزُولُ الافْتِرَاسُ. 2صَوْتُ السَّوطِ وَصَوْتُ رَعْشَةِ الْبَكَرِ، وَخَيْلٌ تَخُبُّ وَمَرْكَبَاتٌ تَقْفِزُ، 3وَفُرْسَانٌ تَنْهَضُ، وَلَهِيبُ السَّيْفِ وَبَرِيقُ الرُّمْحِ، وَكَثْرَةُ جَرْحَى، وَوَفْرَةُ قَتْلَى، وَلاَ نِهَايَةَ لِلْجُثَثِ. يَعْثُرُونَ بِجُثَثِهِمْ. 4مِنْ أَجْلِ زِنَى الزَّانِيَةِ الْحَسَنَةِ الْجَمَالِ صَاحِبَةِ السِّحْرِ الْبَائِعَةِ أُمَمًا بِزِنَاهَا، وَقَبَائِلَ بِسِحْرِهَا. 5«هأَنَذَا عَلَيْكِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، فَأَكْشِفُ أَذْيَالَكِ إِلَى فَوْقِ وَجْهِكِ، وَأُرِي الأُمَمَ عَوْرَتَكِ وَالْمَمَالِكَ خِزْيَكِ. 6وَأَطْرَحُ عَلَيْكِ أَوْسَاخًا، وَأُهِينُكِ وَأَجْعَلُكِ عِبْرَةً. 7وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَرَاكِ يَهْرُبُ مِنْكِ وَيَقُولُ: خَرِبَتْ نِينَوَى، مَنْ يَرْثِي لَهَا؟ مِنْ أَيْنَ أَطْلُبُ لَكِ مُعَزِّينَ؟»."

نجد هنا التهم الموجهة لأشور (أو الشيطان) هي مدينة دماء = (راجع المقدمة) والشيطان "كان قتالاً للناس منذ البدء" ملآنة كذباً وخطفاً = انتشر فيها الغش في التجارة وإنعدم منها الصدق. والخطف هو السرقة. والشيطان هو الكذاب وأبو الكذاب، وهو الذي يحاول خطف أولاد الله ليفترسهم= لا يزول الإفتراس "خصمكم إبليس يجول يلتمس من يبتلعه". وبالنسبة لأشور فهم لا يعرفون كيف يشبعون فملأوا بلادهم أكاذيب وخدع بسبب أطماعهم في زيادة ممتلكاتهم. وفي (4) لأن أشور زانية = ففيها زنى جسدي وزني روحي أي عبادة أوثان. الحسنة الجمال نظراً لغناها وعظمتها وموقعها. البائعة أمماً بزناها = فهم صاروا كزانية وغشوا الشعوب بمعاهدات كاذبة وتظاهروا بالود لهم، كما تفعل الزانيات ليسقطوا الضحايا. ويظهر هذا في حوار ربشاقي بأنه يحب أورشليم وهو قاصداً تدميرها (أش16:36،17). وهم طالما غشوا الشعوب وأسقطوها وعلموها وثنيتهم وجعلوا أحاز ملك يهوذا يفسد هيكل الرب في أورشليم ويضع فيه مذبح اشوري ليساعد أشور يهوذا في حربه (2مل7:16-18). وهي صاحبة السحر = بأعمال الشياطين كانت تتعامل وبهذا باعت أمماً كثيرين واسقطتهم. هذه كانت التهم الموجهة إليهم ونأتي الآن للقضاء ضدهم. في (2) صوت السوط = هي حرب رهيبة ضدهم. والجيش المهاجم يسوق عرباته بعنف. وهذا صوت سياط قادة المراكب، أو تفسر على أن بابل هي السوط الذي به يؤدب الله أشور. وصوت رعشة البكر = البكر أي المركبات ، فكلمة بكر تعنى عجلات. وفي (3) من هول المعركة وكثرة القتلى يعثرون بجثثهم (2مل35:19) وحادثة الـ185.000 المذكورة كانت مقدمة لخراب نينوى نفسها النهائي. وفي (5) المهاجم ليس جيش بابل إنما هو الله. هأنذا عليك فأكشف أذيالك = المدينة هنا مشبهة بسيدة أصابتها أعظم إهانة فقد أفتضحت وأصبحت عارية في خجل وعار. وها أشور قد افتضح ضعفها وأنها غير قادرة على الدفاع عن نفسها. وليس هذا فقط، بل في (6) أطرح عليك أوساخاً وأهينك وأجعلك عبرة = وهذا ما حدث بالنسبة لإبليس فقد صار له رائحة نتنة جداً. وفي (7) كل من يراها يهرب منها خوفاً من أن يهلك معها. من أين أطلب لك معزين = فلا أحد يحبها حتى يعزيها وضيقها شديد لدرجة لا يصلح معه أي عزاء.

 

الآيات (8-11):- "8هَلْ أَنْتِ أَفْضَلُ مِنْ نُوَ أَمُونَ الْجَالِسَةِ بَيْنَ الأَنْهَارِ، حَوْلَهَا الْمِيَاهُ الَّتِي هِيَ حِصْنُ الْبَحْرِ، وَمِنَ الْبَحْرِ سُورُهَا؟ 9كُوشٌ قُوَّتُهَا مَعَ مِصْرَ وَلَيْسَتْ نِهَايَةٌ. فُوطٌ وَلُوبِيمُ كَانُوا مَعُونَتَكِ. 10هِيَ أَيْضًا قَدْ مَضَتْ إِلَى الْمَنْفَى بِالسَّبْيِ، وَأَطْفَالُهَا حُطِّمَتْ فِي رَأْسِ جَمِيعِ الأَزِقَّةِ، وَعَلَى أَشْرَافِهَا أَلْقَوْا قُرْعَةً، وَجَمِيعُ عُظَمَائِهَا تَقَيَّدُوا بِالْقُيُودِ. 11أَنْتِ أَيْضًا تَسْكَرِينَ. تَكُونِينَ خَافِيَةً. أَنْتِ أَيْضًا تَطْلُبِينَ حِصْنًا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ. "

هنا النبي يذكرها بسقوط "نو آمون" في مصر (طيبة) ومصر كانت دولة قوية جداً. فإن عشمت أشور نفسها بسلام بالرغم من تحذير الله  ، فلتتذكر أن مصر وهي كانت أقوى منها قد سقطت قبلها ولم تستطع أن تنجو من غضب الله. وكان لنوآمون 100 باب ، 20.000مركبة حربية مع خيلها وعساكرها واثار الأقصر خير شاهد لعظمتها. وكانت نو آمون قد سقطت بيد اشور بانيبال ملك أشور سنة 666ق.م. ولنلاحظ أن مما يعيننا على أن نحفظ أنفسنا في خوف مقدس من غضب الله أن نذكر أننا لسنا أفضل ممن حل بهم هذا الغضب الإلهي من قبلنا. ومصر كانت قوية فهي جالسة بين الأنهار = نهر النيل بفروعه. حولها المياه التي هي حصن البحر = فشمال مصر وشرقها لهما حماية طبيعية من البحر الأبيض والبحر الأحمر. فالبحرين لها كسور أو كحصن. وجنوبها نجد كوش، وهذه حليفة لمصر= قوتها مع مصر. وغربها نجد فوط ولوبيم أي ليبيا والقيروان وهم أيضاً حلفاء يعطون معونتهم لمصر. والمعنى أن مصر لها خيراتها الممثلة في نهر النيل وهي في حماية كاملة. وبالرغم من هذا فهي سقطت في السبي والقيود. وأشرافها صاروا للسخرية = ألقوا قرعة. وعلى أشور أن تتعظ وأن تعرف أن عليها الدور بسبب شرها وستشرب من كأس خمر غضب الله = أنت أيضاً تسكرين. تطلبين حصناً بسبب العدو = تأتي لجيرانك متذللة طالبة حمايتهم. وتكونين خافية أي تختفين وتختبئين بسبب عارك.

 

الآيات (12-19):- "12جَمِيعُ قِلاَعِكِ أَشْجَارُ تِينٍ بِالْبَوَاكِيرِ، إِذَا انْهَزَّتْ تَسْقُطُ فِي فَمِ الآكِلِ. 13هُوَذَا شَعْبُكِ نِسَاءٌ فِي وَسَطِكِ! تَنْفَتِحُ لأَعْدَائِكِ أَبْوَابُ أَرْضِكِ. تَأْكُلُ النَّارُ مَغَالِيقَكِ. 14اِسْتَقِي لِنَفْسِكِ مَاءً لِلْحِصَارِ. أَصْلِحِي قِلاَعَكِ. ادْخُلِي فِي الطِّينِ وَدُوسِي فِي الْمِلاَطِ. أَصْلِحِي الْمِلْبَنَ. 15هُنَاكَ تَأْكُلُكِ نَارٌ، يَقْطَعُكِ سَيْفٌ، يَأْكُلُكِ كَالْغَوْغَاءِ، تَكَاثَرِي كَالْغَوْغَاءِ. تَعَاظَمِي كَالْجَرَادِ! 16أَكْثَرْتِ تُجَّارَكِ أَكْثَرَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ. الْغَوْغَاءُ جَنَّحَتْ وَطَارَتْ. 17رُؤَسَاؤُكِ كَالْجَرَادِ، وَوُلاَتُكِ كَحَرْجَلَةِ الْجَرَادِ الْحَالَّةِ عَلَى الْجُدْرَانِ فِي يَوْمِ الْبَرْدِ. تُشْرِقُ الشَّمْسُ فَتَطِيرُ وَلاَ يُعْرَفُ مَكَانُهَا أَيْنَ هُوَ. 18نَعِسَتْ رُعَاتُكَ يَا مَلِكَ أَشُّورَ. اضْطَجَعَتْ عُظَمَاؤُكَ. تَشَتَّتَ شَعْبُكَ عَلَى الْجِبَالِ وَلاَ مَنْ يَجْمَعُ. 19لَيْسَ جَبْرٌ لانْكِسَارِكَ. جُرْحُكَ عَدِيمُ الشِّفَاءِ. كُلُّ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ، لأَنَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ شَرُّكَ عَلَى الدَّوَامِ؟"

تصوير لضعف أشور أمام هجوم الأعداء فحصونها كأشجار تين  مملوءة تيناً من البواكير أي أحلى تين. والمعنى أنهم سيأكلونها. والآكل هنا هو جيش بابل. وسيأكل كل غناها. وفي (13) شعبها وجيشها في منتهى الضعف فهم كالنساء.   تنفتح لأعدائك أبواب أرضك أي كل الطرق المؤدية للمدينة ، والابواب انفتحت والاسوار سقطت بسبب الفيضان . وفي (14) عليها أن تستقي ماء استعداداً للحصار. وأيضاً عليها أن تصلح قلاعها = أي تحصنها أدخلي في الطين ودوسي في الملاط = أبذلي كل جهد من أجل تحصين قلاعك. الملبن= فرن الطوب. طبعاً كل هذا بأسلوب تهكمي أي مهما فعلت لتحصين نفسك فهو بلا فائدة، فكل هذه المحاولات دون جدوى. ففي (15) هناك تأكلك نار. هي نار حقيقية احرقت المدينة، ويكون خرابك كحقل أكله الجراد = الغوغاء. وحتى لو زادت في أعداد جيشها فصار كالجراد فلا أمل. وفي (16) لأنها مدينة عظيمة فكان التجار فيها من كل أنحاء العالم، كثيرين جداً ولكن في وقت محنتهم صار هؤلاء التجار كالجراد، أخذوا أموالهم وهربوا ولم يبذلوا أي جهد في الدفاع عن المدينة = الغوغاء جنحت وطارت. وفي (17) إذا كانوا معتمدين على رؤسائهم فرؤسائهم كحرجلة الجراد = أي سرب الجراد تافهون جداً. يحتشدون ولكن حينما تشرق الشمس يطير ويهرب = فالجراد مع طلوع الشمس يطير ويرحل باحثاً عن حقول جديدة يأكلها. إذاً الجيش والقادة والتجار والعظماء سيهربون ويختفون مثل جيش الجراد حينما تظهر بابل بقوتها. وفي (18) عظماؤها نعسوا واضطجعوا = أي ماتوا ودفنوا، وحينما ضرب الرعاة تشتت الرعية = تشتت شعبك على الجبال. وفي (19) هي ضربة بلا شفاء. بل أن كل من حولها سيفرح لسقوطها ويشمتون فيها.

وهناك تأمل روحي: هذه الآيات التي تصور سقوط أشور أو الشيطان نرى أن أي خاطئ يستمر في خطيته بلا توبة يكون [1] كشجرة تين يهزها العدو فيبتلع كل طاقاتها أي يكون مأكلاً للعدو [2] يتحول قلبه إلى الجبن فيسقط أمام أصغر الخطايا [3] تنفتح أبواب حواسه لتصير أعماقه ملهى للشيطان، وتدخل الخطايا الكبيرة [4] عوض الحرية يصير ذليلاً [5] يلتصق بالأرضيات كمن يدوس في الوحل [6] تحرقه نيران الخطية ويحطمه سيفها [7] يفقد قادته دورهم ليعيش محطماً تماماً والقادة هم العقل والإرادة والعاطفة [8] يكون بلا جيش ، غير قادر على الحرب الروحية.