الإصحاح الحادي عشر

 

الآيات (1-19):- "1 وجمع ملك مصر جيوشا كثيرة كالرمل الذي على ساحل البحر وسفنا عديدة وحاول الاستيلاء على مملكة الاسكندر بالمكر وإلحاقها بمملكته. 2 فقدم سورية متظاهرا بالسلم ففتح له أهل المدن ولاقوه إذ كان الاسكندر الملك قد أمر بلقائه لأنه صهره. 3 وكان بطلماوس عند دخوله المدن يبقي في كل مدينة حرسا من الجند. 4 ولما وصل إلى اشدود اروه هيكل داجون المحرق واشدود وضواحيها المهدومة والجثث المطروحة والذين كان يوناتان قد احرقهم في الحرب وكانوا قد جعلوا رجامهم على طريقه. 5وحدثوا الملك بما فعل يوناتان يريدون تجرمه فسكت الملك. 6 ولاقى يوناتان الملك في يافا بإجلال وسلم بعضهما على بعض وناما هناك. 7 ثم شيع يوناتان الملك إلى النهر الذي يقال له الوتارس ورجع إلى أورشليم. 8 فاستحوذ الملك بطلماوس على مدن الساحل إلى سلوكية الساحلية وكان مضمرا للإسكندر السوء. 9 ثم انفذ رسلا إلى ديمتريوس الملك قائلا هلم فنعقد عقدا بيني وبينك واهب لك بنتي التي عند الاسكندر وتملك ملك أبيك. 10 فإني قد ندمت على عطائي ابنتي له لأنه رام قتلي. 11 وتجنى عليه طمعا في ملكه. 12 ثم استرد ابنته وأعطاها لديمتريوس وتغير على الاسكندر وظهرت عداوتهما. 13 ثم أن بطلماوس دخل إنطاكية ووضع على رأسه تاجين تاج آسية وتاج مصر. 14 وكان الاسكندر الملك إذ ذاك في كيليكية لأن أهل تلك البلاد كانوا قد تمردوا. 15 فلما سمع الاسكندر قدم لمقاتلته فاخرج بطلماوس جيشه ولاقاه بعسكر شديد فكسره. 16 فهرب الاسكندر إلى ديار العرب مستجيرا بهم وعظم أمر بطلماوس الملك. 17 فقطع زبديئيل العربي راس الاسكندر وبعث به إلى بطلماوس. 18 وفي اليوم الثالث مات بطلماوس الملك فاهلك رجال الجند الحراس الذين في الحصون. 19 وملك ديمتريوس في السنة المئة والسابعة والستين. "

بعض نقاط تاريخية من المؤرخين لتوضيح ما حدث

1.    واضح أن بطلميوس أُرغِمَ على تزويج إبنته للإسكندر عن غير إقتناع فهو أولاً غير مقتنع بالإسكندر وثانياً هو طامع في إخضاع سوريا لحكمه. وربما هو ظن أنه بتزويج إبنته للإسكندر فهو بهذا قد ضمن سوريا تحت حكمه عن طريق ابنته، ولكن الآن هو وجد ديمتريوس الثاني في الصورة مطالباً بالعرش، فوجد أن هذه هي فرصته، وأراد تزويج إبنته لديمتريوس بدلاً من الإسكندر.

2.    هو أقحم ذاته في الأحداث متظاهراً بأنه يبغي خير البلاد، وصعد بجيش كبير على سواحل فينيقية والسكان رحبوا به فهو صهر مليكهم الإسكندر، وهكذا أوصاهم الإسكندر أن يفعلوا. وقد فهم بعض السكان الفينيقيين ما يقصده بطلميوس ورحبوا به أيضاً فهم يرون إستقرار حكمه ومملكته.

3.    نجد بطلميوس هنا يتصرف كأنه ملك للبلاد ويستمع لشكاوي السكان ضد يوناثان، ولكنه لم يلق بالاً إلى ذلك، إذ أن فكره مشغول بالإستيلاء على كل سوريا. وكان بطلميوس يترك حامية في كل بلد يمر به. يريدون تجرُّمه= أي يكون مجرماً في عين ملك مصر فيلومه أو يعزله (آية5).

4.    الإسكندر كان في كيليكية لإخماد تمرد وترك خلفه أمونيوس وكيله لتدبير شئون البلاد، وهذا خشى على عرش سيده فحاول قتل بطلميوس بالسم. فطلب بطلميوس من الإسكندر تسليمه أمونيوس فدافع الإسكندر عن وزيره ورفض تسليمه لبطلميوس، فإعتبر بطلميوس أن الإسكندر وراء حادثة الإغتيال. وخشى أهل إنطاكية من الفتنة فقاموا بإلقاء القبض على أمونيوس وقتلوه، خصوصاً أنهم كانوا يكرهونه. ولكن هذا لم يكفي بطلميوس إذا كان كارهاً للإسكندر.

5.    إعتبر بطلميوس يوناثان حليفاً له ولم يبكته على شكوى أهل أشدود. وشيع يوناثان بطلميوس حتى نهر ألوتارس وهو يعرف حالياً بالنهر الكبير.

6.    عرض بطلميوس على ديمتريوس الثاني أن يزوجه إبنته ويساعده على أن يصل للملك بدلاً من الإسكندر على أن يحصل على جزء من جنوب مملكة سوريا فوافق ديمتريوس.

7.    بينما كان الإسكندر في كيليكية وضع بطلميوس تاج مصر وسوريا على رأسه بعد أن دخل إنطاكية مؤيداً من الشعب. ويظهر بعد ذلك كأنه وهب سوريا لديمتريوس الثاني.

8.    قدم الإسكندر ليدافع عن عرشه فتصدى له جيش بطلميوس مع جيش ديمتريوس وهزموه. لكن بطلميوس أصيب بجرح مات بسببه بعد 4 أيام.

9.    لجأ الإسكندر للعرب لحمايته فقتلوه بدلاً من أن يحموه وأرسلوا رأسه إلى بطلميوس الذي رآها قبل أن يموت مباشرة!! مات ملكان يتصارعان على ممالك فانية فماذا أخذ كل منهما معه!! وحصل على المملكة آخر غيرهما سيفقدها هو الآخر بعد قليل ويموت وهكذا.

10.      حينما مات بطلميوس أنقلب رجال الحصون السورية على حراسه وقتلوهم. وغالباً غادر الجيش المصري سوريا بعدها.

 

الآيات (20-28):- "20 في تلك الأيام جمع يوناتان رجال اليهودية لفتح القلعة التي بأورشليم ونصب عليها مجانيق كثيرة. 21 فانطلق قوم من مبغضي أمتهم من الرجال المنافقين إلى الملك واخبروه بان يوناتان يحاصر القلعة. 22 فلما سمع استشاط غضبا وسار من ساعته قاصدا بطلمايس وكتب إلى يوناتان أن يكف عن محاصرة القلعة وان يبادر إلى ملاقاته في بطلمايس للمواجهة. 23 فلما بلغ ذلك يوناتان أمر بان يستمروا على الحصار واختار بعضا من شيوخ إسرائيل والكهنة وخاطر بنفسه. 24 واخذ من الفضة والذهب والحلل وسائر الهدايا شيئا كثيرا وانطلق إلى الملك في بطلمايس فنال حظوة لديه. 25ووشى به قوم من الأمة من أهل النفاق. 26 إلا أن الملك عامله كما كان أسلافه يعاملونه وعظمه لدى أصحابه جميعا. 27 واقره في الكهنوت الأعظم وفي كل ما كان له من الاختصاصات وجعله من أول أصدقائه. 28 وسال يوناتان الملك ان يعفي اليهودية والمدن الثلاث وارض السامرة من كل جزية ووعده بثلاث مئة قنطار. "

إنتهز يوناثان الفرصة، فهناك حروب إنشغل الملوك فيها وأراد الإستيلاء على قلعة عكرا التي تنغص على المصلين في الهيكل. ووشى الحزب اليوناني به لدى ديمتريوس فإستشاط ديمتريوس، وهنا تظهر دبلوماسية يوناثان فهو لم يطلب الحرب بل ذهب ليتقابل مع ديمتريوس ومعه هدايا وطيب قلبه. فلم يسمع ديمتريوس للوشاة بل ثبت يوناثان وذلك ليضمن حليفاً له أمام البطالمة. وفي مقابل هذا أعفاه الملك من كل جزية في مقابل 300قنطار وكان هذا هو وعد ديمتريوس الأول ليوناثان من قبل.

 

الآيات (29-37):- "29 فارتضى الملك وكتب ليوناتان كتبا في ذلك كله وهذه صورتها. 30 من ديمتريوس الملك إلى يوناتان أخيه وأمة اليهود سلام. 31 نسخة الكتاب الذي كتبناه في حقكم إلى لسطانيس قريبنا كتبنا بها إليكم لتقفوا على مضمونها. 32 من ديمتريوس الملك إلى لسطانيس أبيه سلام. 33 لقد رأينا أن نحسن إلى أمة اليهود أوليائنا المحافظين على ما يحق لنا وفاء بما سبق من برهم لنا. 34 فجعلنا لهم تخوم اليهودية والمدن الثلاث وهي افيرمة ولدة والرامتائيم التي ألحقت باليهودية من ارض السامرة وجميع توابعها فتكون لجميع الذين يذبحون في أورشليم بدل الضرائب الملكية التي كان الملك يستخرجها منهم قبلا في كل سنة من إتاء الأرض وثمر الأشجار. 35 وسائر ما يحق لنا من العشور والوضائع ووهاد الملح والأكاليل. 36 هذا كله قد أنعمنا عليهم به تبرعا ومن الآن لا يلغى شيء من هذا الأنعام ما طال الزمان. 37 فالآن اكتبوا نسخة من هذا الرسم ولتسلم إلى يوناتان ولتوضع في الجبل المقدس في موضع مشهود".

هذه المعاهدة صورة مختصرة لمعاهدة الأب ديمتريوس الأول والتي رفضها يوناثان من قبل مفضلاً التحالف مع الإسكندر. يوناثان أخيه= هذه إشارة لأن يوناثان صار له رتبة "نسيب الملك". وهي أعلى من رتبة "صديق الملك". لسطانيس= حاكم سورية وأحد المقربين من ديمتريوس الثاني، وكان قائداً لجيوش الملك عندما أتى من روما وساعده في الحصول على العرش من الإسكندر. ويسميه ديمتريوس أبوه= وهذا يعني صاحب فضل عليَّ. والآن هو من كبار رجال ديمتريوس وربما رئيساً لوزرائه.

أفيرمة= أفرايم. الرامتائيم= هي الرامة مركز صموئيل النبي ومنها يوسف الرامي. اللد= ثلاث مقاطعات أو ولايات تركها ديمتريوس لليهود.

 

الآيات (38-53):- "38 ورأى ديمتريوس الملك أن الأرض قد اطمأنت لديه لا ينازعه منازع فسرح جميع جيوشه كل واحد إلى موضعه ما خلا الجنود الغرباء الذين جاء بهم من جزائر الأمم فمقته جيوش آبائه كلهم. 39 وكان تريفون من أحزاب الاسكندر قبلا فلما رأى أن الجيوش جميعها تتذمر على ديمتريوس انطلق إلى ايملكوئيل العربي وكان يربي انطيوكس بن الاسكندر. 40 فالح عليه ان يسلمه إليه لكي يملك مكان أبيه واخبره بما فعل ديمتريوس وبما له في الجيوش من العداوة ومكث هناك أياما كثيرة. 41 وأرسل يوناتان إلى ديمتريوس الملك أن يخرج الجنود الذين في القلعة من أورشليم والذين في الحصون لأنهم كانوا يحاربون إسرائيل. 42 فأرسل ديمتريوس إلى يوناتان قائلا سأفعل ذلك لك ولامتك بل سأعظمك أنت وأمتك تعظيما متى وافقتني فرصة. 43 والآن فانك تحسن الصنيع إذا أرسلت إلى رجالا يكونون في نجدتي فأني قد خذلتني جيوشي كلها. 44 فوجه يوناتان ثلاث آلاف رجل أشداء البأس إلى إنطاكية فوافوا الملك ففرح الملك بقدومهم. 45 واجتمع أهل المدينة في وسط المدينة وكانوا مئة وعشرين ألف رجل يحاولون قتل الملك. 46 فهرب الملك إلى داره فاستولى أهل المدينة على طرق المدينة وشرعوا في القتال. 47 فدعا الملك اليهود لنجدته فاجتمعوا إليه كلهم ثم تفرقوا بجملتهم في المدينة فقتلوا في المدينة في ذلك اليوم مئة ألف رجل. 48 واحرقوا المدينة واخذوا غنائم كثيرة في ذلك اليوم وخلصوا الملك. 49 فلما رأى أهل المدينة أن اليهود قد استولوا على المدينة يفعلون ما شاءوا انخلعت قلوبهم وصرخوا إلى الملك متضرعين وقالوا. 50 عاقدنا وليكف اليهود عن الإيقاع بنا وبالمدينة. 51 فالقوا السلاح وعقدوا المصالحة فعظم أمر اليهود عند الملك وعند جميع أهل مملكته ثم رجعوا إلى أورشليم بغنائم كثيرة. 52 وجلس ديمتريوس الملك على عرش ملكه وهدأت الأرض أمامه. 53 فاخلف في جميع ما وعد وتغير على يوناتان وكافاه بخلاف ما صنع إليه من المعروف وضيق عليه جدا. "

كان عدم حكمة من ديمتريوس أن يسرح جيشه ينقلب عليه الجيش والناس، فرواتب الجيش هي لأهل الجنود يتعيشون منها. ولكنه كان قد إنصرف إلى حياة اللهو وأراد النقود بدلاً من أن يصرفها على جيشه. وترك ديمتريوس فقط المرتزقة الذين من كريت لأن لسطانيس من كريت وهو الذي قام بتجنيدهم، وهذا مما ضايق الشعب ضده. إيملكوئيل العربي= هو إبن زبديئيل (آية17) وقد ساند يوناثان ديمتريوس وقتل مع جنوده 100.000 من الثوار (وهؤلاء شعب عادي غير مدرب على الحرب) ولكن ديمتريوس عاد وإنقلب عليه.

 

الآيات (54-74):- "54 وبعد ذلك رجع تريفون ومعه انطيوكس وهو غلام صغير فملك انطيوكس ولبس التاج. 55 فاجتمع إليه جميع الجيوش التي سرحها ديمتريوس وقاتلوا ديمتريوس ففر منهم منهزما. 56 فاستولى تريفون على الفيلة ثم فتح إنطاكية. 57 وكتب انطيوكس الصغير إلى يوناتان قائلا أني أقرك في الكهنوت الأعظم وأقيمك على المدن الأربع واتخذك من أصدقاء الملك. 58 وأرسل إليه آنية من الذهب لخدمته وأباح له أن يشرب في الذهب ويلبس الأرجوان بعروة الذهب. 59 وأقام سمعان أخاه قائدا من عقبة صور إلى حدود مصر. 60 وخرج يوناتان وطاف في عبر النهر وفي المدن فاجتمعت لمظاهرته جميع جيوش سورية وقدم اشقلون فلاقاه أهل المدينة باحتفال. 61 وانصرف من هناك إلى غزة فاغلق أهل غزة الأبواب في وجهه فحاصرها واحرق ضواحيها بالنار ونهبها. 62 فسال أهل غزة يوناتان الأمان فعاقدهم واخذ أبناء رؤسائهم رهائن وأرسلهم إلى أورشليم ثم جال في البلاد إلى دمشق. 63 وسمع يوناتان ان قواد ديمتريوس قد بلغوا إلى قادش الجليل في جيش كثيف يريدون ان يعزلوه عن الولاية. 64 فزحف لملاقاتهم وخلف سمعان أخاه في البلاد. 65 فحاصر سمعان بيت صور وحاربها أياما كثيرة واحاط بها. 66 فسألوه المعاقدة فعاقدهم وأخرجهم من هناك وفتح المدينة وأقام فيها حرسا. 67 وأما يوناتان وجيشه فنزلوا على ماء جناسر وقبل الفجر زحفوا إلى سهل حاصور. 68 فإذا بجيش الأجانب يلاقيهم في السهل وقد أقاموا عليهم كمينا في الجبال فبينما هم يتقدمون تجاههم. 69 ثار الكمين من مواضعهم والحموا القتال. 70 ففر رجال يوناتان جميعا ولم يبق منهم أحد إلا متتيا ابن ابشالوم ويهوذا بن حلفي قائدا الجيوش. 71 فمزق يوناتان ثيابه وحثا التراب على راسه وصلى. 72 ثم عاد إليهم يقاتلهم فانهزموا وهربوا. 73 ولما رأى ذلك الذين هربوا من رجاله رجعوا وتعقبوا العدو معه إلى قادش إلى معسكرهم ونزلوا هناك. 74 فسقط من الأجانب في ذلك اليوم ثلاثة ألف رجل ورجع يوناتان إلى أورشليم. "

تريفون يرجع ويملك أنطيوخس الصغير، وأنطيوخس يرسل ليوناثان يثبته في وظائفه. وأنطيوخس هذا هو إبن الإسكندر وكليوباترا وكان عمره آنئذ خمس سنوات. المدن الأربع= يضاف للمدن الثلاث السابقة مدينة أقربتين. يشرب في الذهب= إعتراف بأنه ملك. وكانت جولات يوناثان في مناطق سوريا هي تأييد لأنطيوخس الصغير. ولكن أهل غزة رفضوا إستقباله فضربهم لأن غزة كانت موالية لديمتريوس الثاني. ولكن ديمتريوس المعزول يجمع جيشاً ويحاربه يوناثان فيهزمه وينسحب، لكن كان هذا بعد صلاة وإنسحاق من يوناثان. وكان ديمتريوس قد رأى أنه من الصعب أن يستولى على إنطاكية فرأى أن من الأسهل أن يستولى على منطقة نفوذ يوناثان ومنها يحارب أنطيوخس وتريفون. ماء جناسر= بحيرة جنيسارات أي بحر الجليل وبعد ذلك سميت بحيرة طبرية تكريماً لطيباريوس قيصر. حاصور= قلعة على مسافة عشرة كيلو مترات شمال بحيرة طبرية. وفي آية (68) نجد جيش ديمتريوس يحاصر يوناثان من أمام ومن خلف.