الإصحاح الرابع

 

الآيات (1-6): "1 وكان سمعان المذكور الذي وشى في أمر الأموال والوطن يقذف أونيا كأنه هو أغرى هليودورس بذلك وجلب عليه ذلك الشر. 2 وبلغ من وقاحته انه وصف المحسن إلى المدينة والقائم بمصلحة أهل وطنه والغيور على الشريعة بأنه صاحب دسيسة. 3 فاشتدت العداوة حتى أن أحد خواص سمعان شرع في القتل. 4 فلما تبين أونيا ما في ذلك الخصام من الخطر مع حماقة ابلونيوس قائد بقاع سورية وفينيقية الذي كان يمد سمعان في خبثه قصد الملك. 5 لا واشيا بأهل وطنه ولكن ابتغاء لمصالح تعم الشعب برمته. 6 لأنه رأى انه بغير عناية الملك لا يمكن أن تكون الأحوال في سلام ولا أن يقلع سمعان عن رعونته."

في آية (1) "سمعان يفتري على أونيا كأنه هو هاجم هليودوروس وصنع له ذلك الشر" (ترجمة أخرى). هو أشاع أن أونيا أوقع الرعب في قلب هليودوروس بحيلة دبرها له. وفي آية (3) بدأ صدام دموي بين أتباع أونيا وأتباع سمعان. وشعر أونيا بأن هذا فيه خطورة ففكر أن يلجأ للملك.

 مع حماقة أبلونيوس= واضح أن أبلونيوس كان مشتركاً في المؤامرة مع سمعان لينهبوا الهيكل. ولا نسمع شيئاً عن سمعان بعد ذلك. ولكننا نجد أونيا في إنطاكية آية (33) ويبدو أنه إستمر هناك للنهاية.

 

الآيات (7-9): "7 وكان انه بعد وفاة سلوقس واستيلاء انطيوكس الملقب بالشهير على الملك طمع ياسون أخو أونيا في الكهنوت الأعظم. 8 فوفد على الملك ووعده بثلاث مئة وستين قنطار فضة وبثمانين قنطارا من دخل أخر. 9 وما عدا ذلك ضمن له مئة وخمسين قنطارا غيرها أن رخص له بسلطة الملك في إقامة مدرسة للتروض وموضع للغلمان وان يكتتب أهل أورشليم في رعوية إنطاكية."

فكر أونيا أن يلجأ للملك سلوكس ولكنه مات وجاء مكانه أنطيوخس أبيفانيوس، ووصل ياسون وسبق أونيا لأنطيوخس وبالرشوة حصل على وعد بتولي رئاسة الكهنوت. بل وعد ياسون أنطيوخس بأن يجعل أورشليم مركزاً يونانياً بثقافة يونانية، وكان هذا هو حلم أنطيوخس توحيد المملكة بثقافة يونانية وعقيدة يونانية ولغة يونانية. ياسون إسمه الأصلي يشوع وغيره لإسم يوناني مجاملة للسلوكيين.

 مدرسة للتروض= أي للرياضة. هي أشبه بنادي رياضي لتدريب المراهقين وصبغهم بصبغة يونانية.

يكتتب أهل أورشليم في رعوية إنطاكية= أي يصبح اليهود لهم جنسية سلوكية فيفقدوا هويتهم اليهودية. قيمة الرشوة التي عرضها ياسون كانت حوالي 20مليون جنيه مصري يتحملها الشعب المسكين.

 

الآيات (10-17): "10 فأجابه الملك إلى ذلك فتقلد الرئاسة وما لبث أن صرف شعبه إلى عادات الأمم. 11 وألغى الاختصاصات التي انعم بها الملوك على اليهود على يد يوحنا أبي اوبولمس الذي قلد السفارة إلى الرومانيين في عقد الموالاة والمناصرة وابطل رسوم الشريعة وادخل سننا تخالف الشريعة. 12 وبادر فأقام مدرسة للتروض تحت القلعة وساق نخبة الغلمان فجعلهم تحت القبعة. 13 فتمكن الميل إلى عادات اليونان والتخلق بأخلاق الأجانب بشدة فجور ياسون الذي هو كافر لا كاهن اعظم. 14 حتى أن الكهنة لم يعودوا يحرصون على خدمة المذبح واستهانوا بالهيكل وأهملوا الذبائح لينالوا حظا في جوائز الملعب المحرمة بعد المباراة في رمي المطاث. 15 وكانوا يستخفون بمآثر آبائهم ويتنافسون بمفاخر اليونان. 16 فلذلك أحاقت بهم رزيئة شديدة فان الذين أولعوا برسومهم وحرصوا على التشبه بهم هم صاروا أعداء لهم ومنتقمين. 17 لأن النفاق في الشريعة الإلهية لا يذهب سدى كما يشهد بذلك ما سيجيء."

كان مركز رئيس الكهنة يعطي له سلطات مدنية إستخدمها ياسون في صبغ اليهودية بصبغة يونانية.

يوحنا أبى أوبولمس السفير لدى الرومان. وفي (1مك17:8-30) نجد السفير أوبولمس بن يوحنا هو السفير. والحل بسيط أن هناك سفيرين أب وإبنه. والأب كان سفيراً في بداية حكم أنطيوخس أبيفانيوس والثاني أي الإبن كان في أيام يهوذا المكابي.

 تحت القلعة= هي قلعة عكرا التي أقامها السلوكيين ليتجسسوا على الهيكل.

 تحت القبعة= كان المشتركون في مدرسة التروض يرتدون قبعات عريضة. وكان الشبان يتدربون وهم عراة وكانت القبعات تحميهم من الشمس. وقطعاً أهمل الناس الهيكل والشريعة، بل تبني بعض الكهنة تلك الحملة وأهملوا واجباتهم الدينية.

 رمي المطاث= هو لعبة رمي القرص (وكان من الحديد أو الحجر وقطره 30سم). وفي آية (18) أحاقت بهم رزيئة شديدة= مصيبة كبيرة من قبل اليونانيين السلوكيين الذين أرادوا أن يتشبهوا بهم فجلبوا عليهم مصيبة كبيرة.

 فالنفاق في الشريعة الإلهية له عقوبته= لا يذهب سدى.

 

الآيات (18-20): "18 ولما جرت في صور المصارعة التي تجري كل سنة خامسة والملك حاضر. 19 انفذ ياسون الخبيث رسلا من أورشليم انطاكيي الرعوية ومعهم ثلاث مئة درهم فضة لذبيحة هركليس لكن هؤلاء طلبوا أن لا تنفق على الذبيحة لأن ذلك كان غير لائق بل تنفق في شيء أخر. 20 فكان هذا المال في قصد مرسله لذبيحة هركليس لكنه بسعي الذين حملوه انفق في بناء سفن ثلاثية."

كل سنة خامسة= أي كل أربع سنوات تقام دورة أوليمبية كما يحدث الآن للألعاب التي يتدربون عليها كالملاكمة والمصارعة والجري..الخ. ومع الرومان كان هناك مسابقات وحوش مع وحوش ووحوش مع بشر، وبشر مع بشر حتى الموت، والمتصارعين كانوا من الأسرى أو المجرمين في هذه الحالة. ثم صاروا من المسيحيين.

ولما جرت في صور= في هذه السنة أقيمت الدورة الأوليمبية في صور وهذه لها إمتيازات إنطاكية. وكان أنطيوخس حاضراً.

 وأرسل ياسون الخبيث رُسُلاً من أورشليم لهم الجنسية الإنطاكية يحملون ثمن ذبيحة للإله هرقليس على سبيل المجاملة للملك والسلوقيين ولكن الرسل رفضوا هذا.

هرقليس= هو إله الألعاب الأوليمبية وله تمثال هائل في صور.

السفن الثلاثية= أسطول بحري مكون من ثلاث قطع. وهم أنفقوا أموال ياسون في المساهمة في بناء هذه السفن.

ثلاث مئة درهم= (درهم باليونانية دراخمة) هذه= 1621 جنيه مصري وكان أجر الحرفي في ذلك الوقت حوالي درهم في اليوم.

 

الآيات (21-22): "21 وأرسل ابلونيوس بن منستاوس إلى مصر لمبايعة بطلماوس فيلوماتور الملك فعلم انطيوكس انه قد نحي عن تدبير الأمور فوجه اهتمامه إلى تحصين نفسه ورجع إلى يافا ثم سار إلى أورشليم. 22 فاستقبله ياسون وأهل المدينة استقبالا جليلا ودخل بين المشاعل والهتاف ثم انصرف من هناك بالجيش إلى فينيقية."

كان الخلاف مازال على أشده بين بطالمة مصر وملوك سوريا السلوكيين وأبولونيوس بن منستاوس هذا كان تابعاً لأنطيوخس، لكنه وغالباً بإيعاز من الرومان ذهب إلى بطالمة مصر ليحضر عُرساً، فإعتبر أنطيوخس هذا العمل خروجاً على طاعته، بل فكر أن أبولوينوس يريد التحالف مع مصر فبدأ يحصن نفسه تحسباً لأي هجوم من البطالمة.

 

الآيات (23-29): "23 وبعد مدة ثلاث سنين وجه ياسون منلاوس أخا سمعان المذكور ليحمل أموالا للملك ويفاوضه في أمور مهمة. 24 فتزلف إلى الملك وأطرا عظمة سلطانه وأحال الكهنوت الأعظم إلى نفسه بان زاد ثلاث مئة قنطار فضة على ما أعطى ياسون. 25 ثم رجع ومعه أوامر الملك ولم يكن على شيء مما يليق بالكهنوت الأعظم وإنما كانت له أخلاق غاشم عنيف وأحقاد وحش ضار. 26 وهكذا فان ياسون الذي ختل أخاه ختله أخر فطرد وفر إلى ارض بني عمون. 27 واستولى منلاوس على الرئاسة إلا انه لم يوف شيئا من الأموال التي كان وعد بها الملك. 28 فكان سستراتس رئيس القلعة يطالبه لأنه كان مولي أمر الجباية ولهذا السبب استدعيا كلاهما إلى الملك. 29 فاستخلف منلاوس ليسيماكس أخاه على الكهنوت الأعظم واستخلف سستراتس كراتيس والي القبرسيين."

منلاوس هذا كان شقيق سمعان الوكيل الخائن، أرسله ياسون ليحمل أموالاً إلى الملك، فإشترى الكهنوت من الملك بدلاً من ياسون. ولما علم ياسون بأن الملك عينه هرب من أورشليم. وأثناء إنشغال الملك بإخضاع سكان طرسوس وملو، نهب الهيكل بمساعدة أندرونيكوس الذي قتل أونيا بإيعاز منه. وكان سستراتس مكلفاً بجمع الجزية، فطلب من منلاوس دفع ما وعد الملك به، ولما لم يدفع إستدعاهما كليهما الملك لأنه ظن أن هناك تواطئاً بينهما.

ليسيماكس= أخ غير شقيق لمنلاوس وشرير مثله، سلب الهيكل وقتل كثيرين.

 

الآيات (30-38): "30 وحدث بعد ذلك أن أهل طرسوس وملو تمردوا لأنهم جعلوا هبة لأنطيوكيس سرية الملك. 31 فبادر الملك لإطفاء الفتنة واستخلف مكانه اندرونكس أحد ذوي المناصب. 32فرأى منلاوس انه قد أصاب فرصة فسرق من الهيكل آنية من الذهب أهدى بعضها إلى اندرونكس وباع بعضها في صور والمدن التي بجوارها. 33 ولما تيقن أونيا ذلك حجه به وكان قد انصرف إلى حمى بدفنة بالقرب من إنطاكية. 34 فخلا منلاوس باندرونكس وأغراه أن يقبض على أونيا فصار إلى أونيا وخدعه بمكره وعاقده بقسم حتى حمله على الخروج من الحمى وان كان غير واثق به ثم اغتاله من ساعته ولم يرع للعدل حرمة. 35 فوقع ذلك موقع المقت عند اليهود بل عند كثير من سائر الأمم وشق عليهم قتل الرجل بغيا. 36 فلما رجع الملك من نواحي قيلقية رفع إليه يهود المدينة مع ساءته هذه الجناية من اليونانيين مقتل أونيا عدوانا. 37 فتأسف انطيوكس ورق رحمة وبكى على حكمة ذلك المفقود وكثرة أدبه. 38 واضطرم غضبا ولساعته نزع الأرجوان عن اندرونكس ومزق حلله وأطافه في المدينة كلها ثم أباد ذلك القاتل في الموضع الذي فتك فيه بأونيا فانزل به الرب العقوبة التي استحقها."

أهدى الملك أنطيوخس مدنيتي طرسوس وملو (ملوس) هدية لسريته أنطيوكيس (الإسم المؤنث لأنطيوخس). تحصل هي على الجزية منهم، بل تتحكم في شعبهما وهذا أساء لشعب المدينتين ربما لأنها أساءت إستخدام حقها، فثار شعبا المدينتين، وذهب أنطيوخس لإخماد الثورة وترك مكانه شخص إسمه أندرونيكوس. والعجيب أن منلاوس كان خائفاً من الملك ولم يكن يخاف الله. فعندما عرف أن الملك مشغول في طرسوس نهب الهيكل بمساعدة أندرونيكوس، وعندما وبخ أونيا منلاوس على فعلته، حرض منلاوس أندرونيكوس عليه فقتله.

حَجَّهُ به= لامه على تصرفه.

إنصرف إلى حمىً= مكان يحتمي به. ولقد وافق أندرونيكوس على قتل أونيا حتى لا يخبر أونيا الملك بسرقتهم للهيكل. ولاحظ حزن اليهود والأمم على مقتل أونيا. بل أن أنطيوخس نفسه حزن على أونيا وقتل اندرونيكوس.

 

الآيات (39-50): "39 وكان ليسيماكس في المدينة قد سلب بإغراء منلاوس كثيرا من مال الأقداس فذاع الخبر في الخارج بان قد اخذ كثير من الذهب فاجتمع الجمهور على ليسيماكس. 40 فلما رأوا ليسيماكس هيجان الجموع وشدة غضبهم سلح ثلاثة آلاف رجل واعمل أيدي الظلم تحت قيادة رجل عات قد تناهى في السن والحماقة جميعا. 41 فلما بمآثر ما عزم عليه ليسيماكس تناول بعضهم حجارة وبعضهم هراوى وبعضهم رمادا حثوه من كل جانب على أتصاب ليسيماكس. 42 فجرحوا كثيرين منهم وصرعوا بعضا وهزموهم بأجمعهم وقتلوا سالب الأقداس عند الخزانة. 43 وأقيم الحكم في هذه الأموال على منلاوس. 44 فلما قدم الملك إلى صور أرسلت المشيخة ثلاثة رجال فرفعوا عليه الدعوى. 45 وأخريات رأوا منلاوس انه مغلوب وعد بطلماوس بن دوريمانس بمال جزيل ليستميل الملك. 46 فدخل بطلماوس على الملك وهو عندنا بعض الأروقة يتنسم الهواء وصرفه عن رأيه. 47 فحكم لمنلاوس الذي هو علة الشر كله بالبراءة مما شكى به وقضى بالموت على أولئك المساكين الذين لو رفعوا دعواهم إلى الاسكوتيين لحكم لهم بالبراءة. 48 ولم يلبث أولئك المحاجون عن المدينة والشعب والأقداس أمور حل بهم العقاب الجائر. 49 فشق هذا التعدي حتى على الصوريين وبذلوا نفقات دفنهم بسخاء. 50 واستقر منلاوس في الرئاسة بشره ذوي الأحكام وكان لا يزداد الانحلال خبثا ولم يزل لأهل وطنه كمينا مهلكا."

ليسيماكس يعيد الكرة ويسرق هو الآخر وبإغراء من منلاوس. وهاج اليهود إذ عُرِفَ الخبر ودحروا أتباع ليسيماخوس وقتلوه هو نفسه. وأقام اليهود دعوى على منلاوس إذ كان موافقاً على ما حدث. ولكن منلاوس وعد أحد المقربين من الملك برشوة كبيرة وإسمه بطلماوس بن دوريمانوس فتشفع له عند الملك فحكم ببراءته، وحكم بقتل الأبرياء المدافعين عن الحق (الثلاثة رجال).

الإسكوتيين= أو السكيثيين وأسماهم العرب التتار/ همجيون/ دائمو الإغارة والنهب/ يشربون دم من يقتلوهم/ عبدوا السيف كإله يقدمون له ذبائح بشرية من أسراهم/ يشربون في جماجم الموتى/ لا يستحمون بالماء. يضرب بهم المثل في الهمجية. والمعنى هنا أنهم أكثر رحمة وعدلاً من أنطيوخس. ذكرهم بولس الرسول في (كو11:3).