المزمور التاسع

تسبحة الغلبة

المزموران 9، 10:

يرتبط المزموران 9، 10 ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض، وقد وجد اتفاق شبه عام على أنهما يكونان مزمورًا واحدًا. وفي الحقيقة تدعوهما النسخة السبعينية المزمور التاسع، وقد تبعتها الترجمة اللاتينية المسمّاه الفولجاتا وأيضًا النصوص الليتورجية القديمة في الكنيسة الشرقية والغربية.

توجد أسباب كثيرة مقنعة تؤكد وحدة الزمورين:

* ثمة نسق هجائي عبراني، أو تركيب لغوي "الفابتا" ممتد في المزمورين.

* غياب عنوان للمزمور العاشر، يؤيد وجهة النظر القائلة بأنه امتداد للمزمور التاسع.

* التسليم الكنسي في الشرق والغرب.

* استمرارية الأفكار وانسيابها واتساق مفردات اللغة العبرية في المزمورين كوحدة بنائية واحدة. ففي المزمور التاسع يكتب داود النبي عن الأعداء الخارجيين (الأمم الوثنية)، وفي المزمور العاشر يكتب عن الأعداء الداخليين الذين يظلمون المساكين ويضطهدون المتضعين واليتامى. كلاهما يتحدثان عن "أزمنة الضيق" (9: 9؛ 10: 1)، وعن الصراع المرير بين البر والشر.

مناسبة المزمور:

ربما تفّوه داود النبي بهذا المزمور كتسبحة شكر، شاعرًا بالفضل الإلهي عليه. نطق به في إحدى انتصاراته التي ظفر بها، ربما حين غلب جليات الجبار.

يرى الأسقف وايزر Weiser أن الاحتفال بعهد الرب هو المناسبة التي كان يُتلى فيها هذا المزمور حيث توجد إشارة إلى الله أنه الملك الجالس على العرش (9: 4؛ 10: 6) في صهيون (9: 11)، الذي يقضي بالحكم على الأمم، مشيرًا إلى احتفال ديني مهيب. يفترض وايزر أن المزمورين يمثلان "صلاة توسلية"، بينما يراهما موفنكل Mowinckel كمزمورين ينتسبان إلى "المزامير الوطنية (الخاصة بالجماعة)".

الشكل الأدبي:

شكله الأدبي مختلط، أي يجمع العديد من الأنماط الأدبية معًا، مثله مثل المزامير (36، 40، 89، 90، 139). فهو مرثاة وفي نفس الوقت هو تسبحة شكر ومزمور ليتروجي (جماعي) حِكميّ خاص بحكمة الاتكال على الله.

ربما بدأت ليتورجية الهيكل في أورشليم، أي العبادة الجماعية فيها، بتقديم التسبيح والشكر، ثم قُبلت بعد ذلك الصلوات التوسلية من أجل طلب المعونة والتعبير عن الحزن الذي يلحق بهم بسبب المصاعب وفي النهاية تعلن عن الثقة في الله والاتكال عليه.

الكلمات والأفكار المحورية (مفتاح المزمور):

الأمم الوثنية (10 مرات).

*المساكين (10 مرات).

*الأشرار المتغطرسون والمنحرفون (15 مرة).

عدل الله (8 مرات).

*جلوس الله على العرش في الهيكل (5 مرات).

*حالة الضياع والهلاك (5 مرات).

الإطار العام للمزمور:

1. تسبيح العَليّ              [1-2].

2. الرب الديّان              [3-8].

3. الرب الملجأ              [9-11].

4. الرب المخلّص           [12-20].

العنوان:

"لإمام المغنين على موت الابن muth-Labben، مزمور لداود" وبحسب الترجمة السبعينية: "لداود، على الانقضاء (النهاية)، ومن أجل أسرار الابن".

1. "على الانقضاء": سبق الحديث عنها في المزامير (4، 5، 6، 8).

v   أما كلمة "للتمام" (على الانقضاء) فكُتبت لأن بموت المسيح صار لنا الخلاص، وهذه كانت الغاية (النهاية) التي من أجلها جاء المخلص بالجسد، والتي عنها كتب بطرس الرسول: "نائلين غاية إيمانكم خلاص نفوسكم، الخلاص الذي من أجله فتش عنه الأنبياء الذين تنبأوا من أجل النعمة التي لأجلكم، وفتشوا لمن أو في أي وقت استعلن روح المسيح الذي كان فيهم، إذ سبق فشهد عن آلام السيد المسيح والأمجاد التي بعدها" (أنظر 1 بط 1: 9-11)[239].

البابا أثناسيوس الرسولي

v   لا تشير الكلمات: "إلى النهاية" إلى اليهود بل إلينا نحن الذين آمنا أخيرًا. فاليهود هم الابن البكر، أما نحن فالابن الأخير، يجدر بنا أن نعي هذا المزمور لأنه يخص أولئك الذين آمنوا في النهاية.

القديس جيروم

2. أما "موت الابن muth-Labben" فقد جاءت في الترجمة السبعينية: "من أجل أسرار الابن".

أ. "muth-Labben" تعني "موت الابن"، ربما تشير إلى موت ابن بتشبع الأول، أو موت جليات أو نابال أو أبشالوم. ويظن البعض أن "Labben" هو اسم قائد عظيم كان يقود قوات معادية لداود الملك وإسرائيل؛ وكأن هذا المزمور يعلن عن الاحتفال بذكرى الخلاص منه بعد موته[240].

ب. يقبل البعض الرأي القائل بأنه يشير إلى موت ابن الإنسان على الجلجثة حيث هُزم الشيطان.

v   أما بخصوص "من أجل أسرار الابن" فربما يُثار تساؤل: مادام هذا الابن لم يتحدد من هو، فالمقصود به هو ابن الله الوحيد الجنس... واضح أن هذا المزمور هو أغنية تترنم بأسرار ابن الله الوحيد.

القديس أغسطينوس

3. كلمة "Higgalon" تعني "تأمل في...".

1. تسبيح العليّ:

"أعترف لك يارب من كل قلبي،

وأحدث بجميع عجائبك.

أفرح وأتهلل بك.

أرتل لاسمك أيها العليّ" [1-2].

افتتاحية هذا المزمور هي صلاة شكر من أجل نوال نصر ظافر وأكيد على أعداء المرتل. يمكن فهمه على أنه نذر للرب، به ينذر العابد الحقيقي أنه سيشهد باسم الرب ويتحدث بجميع عجائبه.

هذه الافتتاحية تصلح في العبادة الليتورجية العامة.

يلاحظ في هذه الافتتاحية الآتي:

أ. روح الشكر هي إحدى السّمات الرئيسية التي تميز الكنيسة الحقيقية والمؤمن الحقيقي كعضو في الكنيسة السماوية له سِمته التي تميزه عن أهل هذا العالم.

ب. يدخل المرتل إلى المعركة لا ليواجه العدو وإنما بالحري ليسبح الله واهب الغلبه على الشر. بمعنى آخر لا يركز المرتل على ما يلاقيه من متاعب وإنما بالحري على نعمة الله الغنية. لهذا يفيض قلبه فرحًا ولا يصمت لسانه عن الشكر والتسبيح. وكما يقول إشعياء النبي: "وتقول في ذلك اليوم: أحمدك يارب... هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي، وقد صار لي خلاصًا، فتستقون مياهًا بفرح من ينابيع الخلاص" (إش 12: 1-3).

ج. ثمة سمة أخرى لا تنفصل قط عن السمة السابقة وهي الفرح بالله نفسه، وليس فقط بأعماله العجيبة. وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن شئت أن يكون فرحك ثابتًا باقيًا، التصق بالله السرمدي، ذاك الذي لا يعتريه تغيير، بل يستمر ثابتًا على حالٍ واحد إلى الأبد[241]].

الفرح بالله وبأعاجيبه معنا يُولِدّ فينا روح التسبيح والشكر، وممارسة التسبيح تزيدنا فرحًا وبهجة بالله... وهكذا ينطلق المؤمن من فرح إلى فرح أعظم ومن تسبحة إلى تسبحة...

v   إنها تسبحة القلب كله صادرة عن شعب ممتلئ بالروح والمغفرة، يسبح المخلص من أجل أعماله الخلاصية.

v   "أعترف لك يارب من كل قلبي" [1]. لا يعترف لله بكل قلبه من كان متشككًا في عنايته الإلهية في أمر، وإنما ذاك الذي يرى أسرار حكمة الله الخفية، وعظم مجازاته غير المنظورة، قائلاً: "نبتهج في الضيقات" (رو 5: 3)، وأن كل ما يحل بالجسد من آلام إما هي تداريب للذين يرجعون إلى الله، أو تحذير للذين لم يهتدوا بعد فتحثهم على الرجوع إليه، خاصة بالنسبة للمعاندين بقساوة قلوبهم، وذلك لإنقاذهم من طريق الهلاك الأبدي. الآن كل الأمور يحكمها تدبير العناية الإلهية التي يعتقد الحمْقى أنها عشوائية، تحدث بمحض المصادفة البحته، دون أي تدبير إلهي.

القديس أغسطينوس

v   لم يتحدث العظماء عن الله، بل بالحري عن أعماله، قائلين: "من يعلن عن قوات الرب؟!" (مز 106: 2)، "سأخبر بجميع عجائبك" (مز 9: 2)، "جيل فجيل يُسبِّح بأعمالك" (مز 145: 4). هذا هو محور مناقشاتهم، وهذا ما يدور حوله كلامهم، إذ يحاولون أن يترجموا الحقيقية إلى كلمات. ولكن حينما يصل حوارهم إلى ذلك الذي يعلو كل معرفة، بالحري يلتزمون بالصمت عندما يخبروننا عنه. إنهم يخبروننا بأن عظمة مجد قداسته لا نهاية له[242].

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

د. يصدر التسبيح عن القلب كله، فلا يسبح العابد الحقيقي بشفتيه بينما قلبه منقسم بين محبة الله ومحبة لعالم. القلب الممتلئ بحب الله يسبحه على الدوام بكل أعماقه.

يصنف البعض العابدين إلى ثلاثة أقسام[243]:

الذين يخدمون الله برياء؛

والذين يعبدونه بقلب منقسم؛

ثم الذين يعبدونه بملء القلب.

يقول الأب أنثيموس أسقف أورشليم: [من يحب الله من كل قلبه، هذا يعترف له من كل قلبه، أي بكل همةٍ ونشاط، وذلك مثل من يتوب عن خطيته إلى الله من كل قلبه". كما يقول لنا القديس يوحنا الذهبي الفم تفسيرًا لهذه العبارة: "[أشكرك يارب على كل حال؛ ليس في العيشة الرغدة وانشرح القلب فحسب، وبل في ضد ذلك. الشكر لله على إحسانه هو وفاء دين، وأما الشكر في وقت الشدة والعذاب فيجعل الله مدينًا لك، عوض شكرك ينعم عليك بقوة فلا تشعر بالأوجاع...].

لقد قدم مسيحنا "الابن الوحيد" اعترافًا وشكرًا للآب من كل قلبه، متهللاً بالروح، لأن حكمة خلاصنا قد أُخفيت عن الحكماء المتكبرين وأُعلنت للأطفال البسطاء، إذ يقول: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت 11: 25). ربما لهذا السبب جاء عنوان المزمور: "من أجل أسرار (خفايا) الابن".

لنتحد بمسيحنا، فيجدد بروحه قلوبنا، ويصدر عنها تسابيح الحمد والشكر بكل القلب بغير انقطاع، خاصة من أجل أسرار خلاصه التي أعلنها لنا. نبقى نهتف لاسمه كسِرّ خلاصنا وقوتنا حتى ننعم معه بشركة أمجاده الأبدية.

2. الرب الديَّان:

لم يكن داود النبي منهمكًا بنصراته على الأعداء الظاهرين، وإنما انغمس بكُلّيته في الحضرة الإلهية وعمل الله العجيب معه، ممجدًا إياه كديان عادل [1-8، 15-20]، وكملجأ حصين [9]، وكمخلص وفادٍ من العدو الحقيقي [13-14].

"في ارتداد عدوي إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعًا من وجهك، لأنك صنعت حكمي وانتقامي" [3].

إن سقط أعداؤنا الروحيون إنما يتحقق ذلك في حضرة الله. فحضوره ومجد قوته كفيلان بتدمير أعداء شعب الله. تحقق هذا عندما تقدم ربنا يسوع المسيح، قائلاً: "أنا هو"، رجع أعداؤه إلى الوراء وسقطوا على الأرض (يو 18: 6) [244].

I. ظل جليات لمدة أربعين يومًا يهين الله بينما كان شاول الملك وكل جيشه في عار. أما داود – الشاب التقي – فقد آمن بالله الديان العادل الذي لا يمنع الأشرار عن ممارستهم شرورهم ولكن إلى حين. ففي الوقت المناسب يحكم لشعبه بالعدل ويخلص الانقياء من فخاخهم الشريرة المنصوبة لهم، بينما يترك الأشرار يجنون ثمار شرورهم الآثمة إن أصرُوا على عدم التوبة. يظهر كمال مجد الله وكرامته حين يحكم على الأشرار ويعاقبهم، إذ يقول المرتل: "في ارتداد عدوي إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعًا من وجهك" [3]. هكذا يتكئ المؤمن في حضن الرب (يو 13: 23)، مدركًا أن الله الطويل الأناة ينتظر توبة الجميع، حتى مضطهديه! وهو في نفس الوقت عادل لا يمكنه أن يترك الشر إلى الأبد.

يرى بعض آباء الكنيسة أن هذه الفقرة إنما تشير إلى اليهود المقاومين للسيد المسيح.

v   هكذا كان الحال مع اليهود، إذ قالوا ينبغي عليهم أن يقتلوا يسوعًا، لئلا يأتي الرومان ويأخذون موضعهم وأمتهم... الذي ذُبح، هو في السماء، والذين ذبحوه نالوا الجحيم جزاءهم[245].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v   الآن يبدأ شخص الرب في الظهور متحدثًا بالمزمور، إذ تلى ذلك القول: "أرتل لاسمك أيها العليّ، في ارتداد عدوي إلى الخلف" [2-3]. متى رجع عدوه إلى خلف؟ هل حينما قال الرب: "اذهب عني يا شيطان" (مت 16: 23). لأن ذاك الذي جَرَّب وضع نفسه أن يكون متقدمًا إلى الأمام، لكنه دُفع ليرتد إلى خلف بفشله في خداع (السيد المسيح) المُجرَّب، إذ لم يقدر أن يجد عليه شيئًا... بالحقيقة ارتد الشيطان إلى خلف.

القديس أغسطينوس

يمكننا القول بأن هذا تحقق في حياة السيد المسيح الذي ألزم الشيطان عدو الخير أن يتقهقر إلى خلف في خزي وفشل، ولا يزال يحقق هذا في كنيسته حين يجربها العدو ليتقدمها كرأس لها، فيرده الرأس الحقيقي إلى خلف بلا سلطان.

أ. في التجربة على الجبل سمح الرب للشيطان أن يجربه، لكنه باسمنا غلب، فتقهقر العدو.

ب. حين أراد الأشرار القبض على السيد المسيح، قال "أنا هو"، فلم يحتملوا حضرته بل سقطوا في خزي، حتى سلم نفسه إليهم بسماح منه.

ج. يقول القديس أغسطينوس: [حينما نهرب من الشيطان مضطهدنا، ونتبع ربنا كقائد لنا، يرجع الأول متقهقرًا خلفنا].

د. يمكننا أيضًا القول بأنه عندما نقبل الصليب مع ربنا يسوع المصلوب نلبس الإنسان الجديد السماوي الذي بحسب صورة خالقه، بينما يتقهقر الإنسان القديم مرتدًا إلى الخلف.

هـ. جاء آدم الثاني (ربنا يسوع) في المقدمة يقود مسيرة حياتنا كلها بينما رجع آدم الأول إلى وراء. يقول القديس بولس: "الإنسان الأول من الأرض ترابي، الإنسان الثاني من السماء سماوي" (1 كو 15: 47)؛ كما يقول إنه ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام (في 3: 13).

هكذا إذ يتحطم بآدم الثاني عدو الخير ليرتد عنا وراءنا، ويصلب إنساننا العتيق نترنم قائلين: "لأنك صنعت حكمي وانتقامي" [3].

II. الله الديان يقيم عرش بره أو عرش ملكوته داخل القلب، لكي يُفنى بعدله جموع الخطايا التي احتلت مركزه في أعماقنا، ويهدم مدنها تمامًا ليقيم مدينته المقدسة فينا؛ إذ يقول المرتل:

"جلست على العرش يا ديّان العدل.

انتهرت الأمم.

وهلك المنافق.

ومحوت اسمهم إلى الأبد وإلى أبد الأبد.

فنيت سيوفَ العدو إلى الانقضاء.

وهدمت مدنًا" [4].

إذ كان مخلصنا هو ديان المسكونة، يأتي على السحاب ليحكم ويدين الأحياء والأموات، ويجازي كل واحد حسب أعماله... فإنه يقيم كرسيه الآن في قلوب مؤمنيه لكي بصليبه يدين الشر ويحطم الخطية وينزع عدو الخير عن كرسيه الذي اغتصبه. في نفس الوقت يعلن المخلص ملكوته داخلنا القائم على عدله وبره، فيتسلم بنفسه قضايا حياتنا، ولا يتركنا في أيدٍ ظالمة ولا تحت أحكام الشر الجائرة.

أ. الديان العادل الجالس على العرش: كملك حين يتهيأ للبت في أمر هام وخطير يمس مملكته يجلس على العرش لينطق بالحكم؛ هكذا إذ يستلم رب المجد قضية مؤمنيه يعلن عن عرشه الإلهي، في وقار مهيب.

v   "جلست على العرش يا من تدين بالعدل" [4].

ينطق الابن بهذا متحدثًا مع الآب. وقد قال أيضًا: "لم يكن لك عليّ سلطان لو لم تكن قد أُعطيت من فوق" (يو 19: 11)... ديان البشر صار تحت الحكم من أجل خير البشرية، محققًا عدالة الآب وأسراره الخفية.

وربما القائل هنا هو الإنسان نفسه موجهًا حديثه لله: "جلست على العرش يا من تدين بعدل"، فيدعو نفسه his soul عرش الله كما يُسمى جسده أرضًا التي هي موطئ قدمي الله (إش 66: 1)...

وربما الحديث هنا عن نفس soul الكنيسة الكاملة التي بلا عيب ولا غَضَن (أف 5: 27)، المستحقة نوال معرفة الأسرار التي للابن، حيث يُدخلها "الملك إلى حجاله" (نش 1: 4). فتقول لعريسها: "جلست على العرش يا من تدين بعدل"، إذ قمت من بين الأموات وصعدت إلى السموات وجلست عن اليمين...

القديس أغسطينوس

ب. انتهرت الأمم: ما هي الأمم التي ينتهرها الرب الجالس في نفوسنا كما في كنيسته بكونها عرشه إلا الخطايا والشرور؟ فحيث يملك الرب لا يمكن أن يبقى الشر، لأنه لا شركة بين النور والظلمة.

ليدخل الرب إلى أعماقك، فتهتز كل الضعفات، ويملك داخلك ببره، واهبًا إياك قداسته وثمر روحه القدوس.

ج. هلك المنافق: تحدث عن الخطايا (الأمم) بصيغة الجمع، أما وراء هذه الخطايا فيوجد عدو واحد ضد البشرية هو إبليس المنافق.

v   العدو الذي يتحدث عنه المرتل جاء بصيغة الفرد لا الجمع؛ وقد فقدت سيوفه حدها؛ مَن هذا إلا إبليس الذي أسلحته هي آلاف النظريات الخاطئه المنحرفة التي يستخدمها كسيوف قاطعة تدخل بالنفس إلى الموت؟...

القديس أغسطينوس

د. محوت اسمهم إلى الأبد: لن تبقى بل تُباد، ولن يدم سلطان إبليس وجنوده، وإنما تُمحى اسماؤهم ويبيد ذكرهم.

هـ. فنيت سيوف العدو: يعتز العدو بظلمه، حاسبًا أنه يرهب بسيفه الاتقياء... لكن إذ يدين الله الشر يُنتزع هذا السيف، ليُعلن سيف كلمة الله الذي يبتز الشر ويفصله فيتمجد برّ الله.

يفنى سيف العدو بالسيف الخارج من فم السيد المسيح (رؤ 1: 16). وكما يقول المرتل: "تقلد سيفك على فخذك أيها القوي، بحسنك وجمالك استله وانجح وأملك" (مز 45: 5).

و. هدمت مدنًا: يبيد الله كل أثر للخطية: ينتهر الأمم، ويمحو اسمهم، ويحطم سيوفهم، ويهدم مدنهم... بهذا يتم خراب العدو تمامًا فلا يجد في قلوبهم له موضعًا يستقر فيه.

يحطم الديان مدن العدو التي فينا ليقيم لنا المدينة الباقية التي لها أساسات صانعها وبارئها هو الله.

v   هدمت مدنهم، أي أولئك الذين شابهوا الأبراج والمدن[246].

القديس كيرلس الإسكندري

v   هذه المدن هي المواضع التي يجرفها الشيطان بآرائه الدنسة المضللة، كما لو كانت قلاع ملوكية...

سكان تلك المدن ما هي إلا الشهوات الحسية والعواطف اليومية المثيرة المتضاربة في الإنسان...

يحطم ربنا هذه المدن عندما يطرد رئيسها كما اخبرنا: "الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا" (يو 12: 31)... بهذا يتحقق قول الرسول: "إذن لا تُملّكَنَّ الخطية في جسدكم المائت" (رو 6: 12).

القديس أغسطينوس

3. الرب الملجأ:

"وكان الرب ملجأ للفقير

وعونًا في أوقات موافقة في الضيق" [9].

يعاني الأبرار الذين يعرفون اسم الرب من متاعب كثيرة، خلالها يكتشفون أن الله ملجأ لهم. وقد استخدم المزموران 9 و 10 العديد من الأسماء بها يشير إلى الأبرار: المساكين، المتواضعين، البائسين، المحتاجين، الأبرياء، اليتامى، طالبي الرب وعارفي اسمه.

أ. الله هو ملجأ البائسين والمساكين [9]. من الأتعاب الخاصة التي يطلعهّا المرتل على الله هي أنه قابل الودعاء والمدافع عنهم (مز 147: 6)، وأبو اليتامى وقاضي الأرامل (مز 68: 5)، وحافظ الصغار (مز 116: 6).

الله هو ملجأ عالٍ لحماية قديسيه، لن يبلغ إليه أقوى أعدائهم الأشرار.

v   أي أذى يلحق بالذين يصير لهم الرب ملجأ؟ كأنهم اختاروا أن يصيروا مساكين في هذا العالم الذي يرأسه إبليس، غير واضعين قلوبهم على أمور زائلة تراوغ الإنسان حتى حينما يعيش محبًا لها، فإنه إذ يموت يتركها كلها. مثل هؤلاء المساكين يصير لهم الرب "عونًا في أوقات الضيق" [9].

القديس أغسطينوس

ب. الله لن يتخلى عن مؤمنيه، طالبيه، الذين يعرفون اسمه كأب لهم، يتكلون عليه، ويفرحون بوعوده ويسعون إليه بقلوبهم وأفكارهم كما بسلوكهم وسيرتهم.

"ويتكل عليك الذين يعرفون اسمك،

فلا تترك طالبيك يارب" [10].

اسم الله يعني شخصيته التي نتعرف عليها من خلال شركتنا معه.

طلب الرب معناه الاشتياق نحو التعرف عليه وحبه وطاعته وخدمته والثقة في حمايته والشركة معه. أخيرًا أن نصير معه في مجده السماوي.

يليق بالمؤمنين أن يطلبوه بكل عقولهم لا خلال خرافات؛ يطلبوه بكل اجتهاد لا بتهاون؛ باتضاع لا في كبرياء، بكل قلبهم ليس برياء، باسم المسيح وليس ببرنا الذاتي[247].

كأن المؤمنين مطالبون بالثقة فيه خلال التمتع بالمعرفة الروحية الاختبارية الحية مع طلب الرب للتمتع بشخصية.

ج. الله ملجأ لهم باختفائهم فيه وسكناه فيهم: يجدون فيه حمايتهم ويجد هو لذته فيهم فيحل فيهم بكونهم كنيسته، مدينته المقدسة، صهيون الروحية.

"رتلوا للرب الساكن في صهيون

واخبروا في الأمم بأعماله" [11].

v   حينما تنفصل النفس عن هذا العالم، وتطلبه كموضوع ثقتها، فتنال معرفة اسم الله في التو لنجدتها.

القديس أغسطينوس

4. الرب المخلص:

يقارن المرتل بين الهلاك الذي يرجوه لي العدو والخلاص الذي يقدمه لي الرب.

أولاً: العدو سافك دماء والرب يسمع صرخات الدم البريء:

"لأنه طلب الدماء وتذكرها،

ولم ينس ضجيج البائسين" [12].

قد يسمح الله أن يستشهد مؤمنوه وتسفك دماؤهم، لكنه في الوقت المناسب يُطالب بدمائهم، بكل قطرة منها. حين تعلو صرخات (ضجيج) البائسين الخفية يستجيب لها، قائلاً للأشرار ما سبق فقاله لأول سافك دم في تاريخ البشرية: "صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض!" (تك 4: 10). قد يبدو أن جريمة القتل أو الظلم قد ابتلعها الزمن، لكن الله لن ينسى الصرخات القديمة، ولا يتغاضى عن المظالم التي حلت بهم.

v   حينما يُطالب بدماء (الشهداء)، ينالون المجد بينما يرتبك الأعداء حينما يرون المسيح الذين افتروا[248]...

القديس إيريناؤس

الله لا ينسى صرخات البائسين وصلواتهم، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:

[الصلاة ميناء للإنسان الذي تحطمت سفينته،

مرساة للذين يغوصون في الأمواج،

طوق نجاة يسند الأطراف المرتعشة،

منجم جواهر للفقراء،

شفاءً للأمراض،

حافظة للصحة.

الصلاة تضمن في الحال استمرارية بركاتنا، وتبدد غيوم مصائبنا.

مباركة أنتِ أيتها الصلاة!

أنتِ القاهر الذي لا يكل لأهوال الإنسان،

الأساس الراسخ للسعادة البشرية،

مصدر الفرح الدائم،

والدة الفلسفة.

الإنسان الذي يقدر أن يصلي حقًا، وإن خارت همته وصار في عوز شديد، فهو أغنى من كل ما عداه. أما الشقي الذي لا تنحني ركبتاه، فإنه وإن كان رأسًا (ملكًا) لأمم كثيرة فهو أتعس البشر جميعًا[249]].

ثانيًا: العدو يطلب مذلتي والرب يطلب مجدي:

"ارحمني يارب وانظر إلى ذلي من أعدائي" [13].

عدو الخير يأسر الإنسان بالشهوات والخطايا، ليسلبه كرامته وعزه، ويجعل منه عبدًا ذليلاً، أما المخلص فجاء إلينا يشترينا بدمه لثمين ليقيمنا أبناء الله المكرمين، شركاء معه في المجد.

ثالثًا: العدو يميتني بالقلق والمخلص يرد ليّ البهجة والفرح:

"يا رافعي من أبواب الموت،

لكيما أخبر بجميع تسابيحك،

في أبواب ابنة صهيون،

أبتهج بخلاصك" [14].

إذ يدفعني العدو إلى مقبرة الخطية ويدخل بي إلى موت النفس، لا استطيع التسبيح لله، لأنه "ليس في الموت من يذكر ولا في الجحيم من يسبحك". بلخطية تغلق علينا أبواب الموت الأبدية، وتفقد النفس سلامها مع الله ومع ذاتها فلا تقدر على التسبيح. أما مسيحنا غالب الموت فيرفعنا من أبواب الموت بعدما حطم متاريسه، وأطلق لسان قلوبنا بالفرح لننشد له تسابيح الفرح. يدخل بنا إلى ابنة صهيون، الكنيسة السماوية، التي تشارك السمائيين بهجتهم وليتورجياتهم وتسابيحهم.

ترفعنا الأذرع الأبدية من أبواب الجحيم لتدخل بنا إلى أبواب ابنة صهيون، فنجد لنا موضعًا في حضن الآب.

رابعًا:  العدو ينصب لي الفخاخ ويهيئ لي الفساد، والرب يتركه يجني ما قد زرعه:

"انغرست الأمم في الفساد الذي صنعوه،

وفي الفخ الذي أخفوه انتشبت أرجلهم" [15].

أعد إبليس الصليب ليتخلص من اليد المسيح فتحطم العدو نفسه وفقد سلطانه.

يرى القديس كيرلس الكبير أن هذه الآية تنطبق على جماعة اليهود، فقد أصدر بيلاطس حكمًا ضد السيد المسيح ليوافقهم على هواهم وما تاقوا أن يفعلوه. كان أفضل لهم لو تمت إرادة بيلاطس وصدر الحكم بإطلاق سراح الرب البريء البار القدوس الذي بلا ذنب، وأن يخلص البريء من قيوده التي كُبِّل بها ظلمًا، لكنهم قاوموه وأصرّوا على عنادهم، وازدادوا هياجًا وعنفًا، فظفروا بالنصرة التي صارت أساس بلاياهم وشرهم. لقد حفروا فخًا أدى إلى هلاكهم[250]...

خامسًا: يعاقب الله على الشر، ويكافئ الأبرار على صبرهم:

"سيُعرف الرب أنه صانع الأحكام

والخاطي بأعمال يديه أُخذ...

وصبر البائس لا يهلك إلى الدهر" [16، 18].

تظهر عدالة الله في معاقبته الأشرار ومكافأة الأبرار.

v   يعاقب الشرير على أفعاله، ويجني الآخرون منفعة من ذلك[251].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v   كما أن الأبرار الذين كملوا بالأعمال الصالحة لا يأتون إلى الدينونة ليُدانوا (مز 1: 5) هكذا الأشرار الكثيرو الخطايا الذين عصيانهم قد طغى جدًا، فإنهم لا يطلبون للاقتراب نحو الدينونة (لرؤية مجد الله) إنما ما يقومون حتى يرجعون إلى الهاوية Sheol[252].

الأب أفراهات

سادسًا: يعلن الله عن ضعف عدوي...

 


صلاة

v   ارفعني يا إلهي من أبواب الموت،

ولتدخل بي إليك فأنعم ببهجة خلاصي!

v   أُدخل بي إلى ملكوتك الفَرِح،

فتتحول حياتي إلى تسبحة لا تنقطع!

v   قلبي كله هو لك... أنت لي،

أنت بري، أنت ملجأي، أنت هو خلاصي!

v   عدوي أسد عنيف... أمامك يصير أضحوكة!

حطم أسلحة شره، وبدد ظلمته،

حرر الخطاة من أسره فيشاركونني حبك ومجدك!

[239]  Onsemius of Jerusalm, Ps. 9.

[240]  Plumer: Psalms, p. 132.

[241]  Fr. T. Malaty: Isaiah, 1990, p. 155-156 (in Arabic).

[242]  Comm.. on Eccles., sermon 7: 44.

[243]  Plumer, p. 133.

[244]  M. Henry Comm. In one volume, p. 586.

[245]  In John, hom. 65: 1.

[246] Comm.. on Luke, hom. 12.

[247] Plumer, p. 138.

[248] Adv. Haer. 3: 18: 5.

[249]Plumer, psalm 9.

[250] Comm.. on Luke, hom. 152

[251] In Acts, hom. 12.

[252] Demonstration 2 on Deathe and the Latter Times, 17.