الأصحاح العاشر

العودة إلى الله

بهذا الأصحاح ينتهي القسم الخاص بالعتاب العلني في داخل الهيكل.

إن كان في الأصحاح السابع يتحدث عن تقديس البيت الداخلي، وفي الثامن عن عدم الاتكال على حفظ الشريعة حرفيًا، وفي التاسع يقيم مرثاة على ما وصلوا إليه، ففي العاشر يتحدث عن العودة إلى الله.

1. ترك الوثنية الباطلة وقبول الإله الحق[1-16].

2. الخروج عن الأرضيات[17-22].

3. قبول تأديبات الرب[23-25].

1. ترك الوثنية الباطلة:

أول وسيلة للعودة إلى الله هو ترك الوثنية الباطلة [1-2]، رفض ما هو باطل وقبول الإله الحق [10].

 أبرز أن الله فريد، وعظيم، ومهوب، سيد الطبيعة، ورب التاريخ، بينما عبادة الأوثان مجرد وهم، حيث يرتعب عابدوها من ظواهر الكواكب السماوية كما من قطعة خشب من عمل أيديهم، يقيمونها تمثالاً يتعبدون له، في حقيقتها أشبه باللعين (خيال المقاتة) التي يحركها الفلاح أينما أراد ليخيف الطيور، وهي في حقيقتها ليست إلا عصا جامدة، يضع عليها الفلاح ملابس بشرية.

"هكذا قال الرب: لا تتعلموا طريق الأمم.

ومن آيات السموات لا ترتعبوا،

لأن الأمم ترتعب منها...

أما الرب الإله فحق؛

هو إله حيّ وملك أبدي.

من ُسخطه ترتعد الأرض ولا تطيق الأمم غضبه" [1-10].

جاءت كلمة "تتعلموا" في العبرية itlmadu وتعنى "تصيرون تلاميذًا". وكأن العبادة في الحقيقة هي تلمذة، حيث يحمل التلميذ روح معلمه، فمن يتتلمذ للباطل يحمل روح

البطلان، ومن يتتلمذ للسيد المسيح الحق، يحمل روحه وحقه فيه.

إن كانت العبادة الوثنية قد اُنتزعت من الأرض إلى حدٍ ما، لكنها لا تزال ُتمارس في حياة الكثيرين. عندما يتعبد إنسان ما للمال أو محبة المجد الباطل أو العلم أو حب السلطة، متجاهلاً احتياجات نفسه إلى التعرف على الله والالتصاق به، يبحث بطريق أو آخر أن تشبع نفسه، فيقيم في هيكل الرب الداخلي آلهة غريبة عاجزة عن أن ُتشبع حياته وتنطلق بها إلى السموات. إنها تشبه الشجرة التي يقطعونها من الوعر، يقيم منها النجار بآلاته تمثالاً، ويزينونها بالذهب الذي يجلبونه من أوفاز والفضة من ترشيش[208]، يتعبدون لها وهي عاجزة حتى عن الحركة، بل تحتاج إلى مسامير لتثبيتها وعدم سرقتها، وإلى أناس يحملونها، لا تقدر أن تتكلم. يسافر الإنسان إلى ترشيش لكي يجلب فضة يطرقونها، وإلى أوفاز يشتري ذهبًا ليزنونها. ُيلبسونها الإسمانجوني والأرجوان ليقدمونها في شكل ملوكي. لكنها مع كل ما تحمله من شكل جميل ومعادن نفيسة ومظهر ملوكي إلا أنها شجرة جافة، وقطعة خشب لا قيمة لها: "أدب أباطيل هو الخشب!" [8]، وكما يترجمها البعض "تمثال خشب، تعليم لا قيمة له!".

إنها تماثيل لا حياة فيها ولا جدوى منها، تحتاج إلى من يعينها، لا أن تعين عابديها.

لا وجه للمقارنة بين الله وبين الآلهة الأخرى، إذ يقول: "ليس مثلك!" [6].

أ. "أما الرب الإله فحق" [10]؛ من يلتصق به يصير حقًا ولا يدخل إليه البطلان، لهذا يقدم لنا السيد المسيح نفسه قائلاً: "أنا هو الحق" (يو 14: 6)، نقتنيه فنحمل الحق فينا، ولا يقدر الباطل أن يتسلل إلينا. أما من يلتصق بالآلهة الباطلة أو يتعبد لمحبة الأرضيات فيصير باطلاً، ولا يطيق محبة الحق (2 تس 2: 10).

ب. "إله حيّ" [10]؛ كائن نتعامل معه في علاقة شخصية، نجد في الله الآب أبينا الذي يحملنا في أحضانه، ويتعامل معنا كبنين له، ونلتقي بالكلمة عريس نفوسنا الذي يُناجينا ونناجيه، وبروحه القدوس ساكنًا فينا، يقدسنا ويقودنا ويخبرنا بكل ما للابن الخ. هذه هي علاقتنا بالله الحيّ.

ج. "ملك أبدى" [10]؛ علاقتنا بالله ليست على مستوى زمني مؤقت بل علاقة دائمة إلى الأبد. يملك فينا لا ليسيطر علينا وإنما ليقيمنا ملوكًا، يهبنا شركة سماته فنصير خالدين ونعيش معه في مجده الملوكي إلى الأبد. أما من يعتزل الله، فتصير نفسه ُمستعبدة، تذلها الخطية وتحطم إرادتها.

د. "إذا أعطى قولاً تكون كثرة مياه في السموات والأرض" [13]. قوته ليست استعراضًا لسلطانه، وإنما لخير خليقته، يهب النفس (السماء) والجسد (الأرض) كثرة مياه، أي فيض روحه القدوس (يو 7: 37-39)، ليحولنا في مياه المعمودية من القفر إلى فردوس مثمر!

وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [المياه هي بدء العالم، والأردن هو بدء الإنجيل[209]]. ويقول العلامة ترتليان: [لقد أنجبت المياه الأولى حياة، لا يتعجب أحد إن كانت المياه في المعمودية أيضًا تقدر أن تهب حياة[210]].

قديمًا "قال فكان"، إذ خلق العالم كله بكلمته، والآن يعطي قولاً، أي بكلمته يهبنا روحه القدوس الذي يجدد خلقتنا بنعمته. إنه خالقنا الذي يجدد خلقتنا! وكما يقول المرتل "هو صنعنا وله نحن شعبه" (مز 100: 3).

هـ. "صنع بروقًا للمطر وأخرج الريح من خزائنه" [13]، أي قدم للإنسان كل احتياجاته المنظورة (البروق والمطر) وغير المنظورة (الريح وخزائنه)!

يبرق فينا فيهبنا روح الاستنارة، ونكتشف أسرار حب الله وإمكانياته. ويهبنا عطية روحه القدوس كريحٍ تهبّ حيث تشاء ولا نعرف من أين تبدأ ولا إلى أين تنتهي (يو 3: 18).

يحدثنا ماريعقوب السروجي عن بروق الاستنارة قائلاً:

[المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها!

المعمودية هي الطريق العظيم إلى بيت الملكوت، يدخل الذي يسير فيه إلى بلد النور![211]]

و. "من لا يخافك يا ملك الشعوب؟! لأنه بك يليق" [7]. إن كانت الشعوب قد قاومته وقبلت الأوثان آلهة عوضًا عنه، لكنه يبقى في حقيقة الأمر "ملك الشعوب". هو "ملك العالم كله"، أرادوا أو لم يريدوا، نصرخ إليه كملكٍ مفرحٍ، قائلين: "ليأتِ ملكوتك!"، أما المقاومون فيخشون ملكوته ويرتعبون من سلطانه!

ز. "من سخطه ترتعد الأرض ولا تطيق الأمم غضبه" [10]. إن كان الله بالنسبة لمؤمنيه كله عذوبة، يدخل معهم في عهدٍ أبوي، ويقدم إمكانياته لخلاصهم وبنيانهم، ففي عدله أيضًا لا تستطيع الأرض أن تقف أمامه، ولا تطيق الأمم غضبه! لا يحتمل الأشرار الالتقاء معه، لأنه كيف يمكن للظلمة أن تطيق النور؟! أو للباطل أن يشترك مع الحق؟!

ح. الله هو المدافع عن شعبه بكونه "رب الجنود اسمه" [17]. لذا يليق بشعبه كجنودٍ تحت قيادته ألا يخافوا الآلهة الأخرى، هذه التي "في وقت عقابها تبيد" [15].

ط. الله واهب القوة والحكمة والفهم لأولاده المقدسين فيه. للعلامة أوريجينوس تعليق جميل على العبارة: "صانع الأرض بقوته، مؤسس المسكونة بحكمته، وبفهمه بسط السموات" [12]. يرى أن من بين سمات الله ثلاث: القوة والحكمة والفهم.

يهب القوة لجسدنا الترابي (الأرض

والحكمة لنفوسنا (المسكونة التي يقطنها الثالوث القدوس)،

والفهم لإنساننا الداخلي الذي على صورة آدم الثاني (السموات)، إنه يقول:

[لنأخذ هنا ما يمكننا أن نطلق عليه ثلاث صفات من سمات الله، وهى: قوته وحكمته وفهمه. ينسب النبي إلى كل منها عملاً خاصًا: للقوة الأرض؛ للحكمة المسكونة؛ للفهم السموات.

يقول: "صانع الأرض بقوته، مؤسس المسكونة بحكمته وبفهمه بسط السموات".

بما أننا أرض، أي تراب، لأنه قيل لآدم: "أنت تراب"، فإننا نحتاج إلى قوة الله. وبدون قدرة الله لا نستطيع أن نقوم بأي عمل يفوق قدرات الجسد، لكننا ما أن نميت الأعضاء الأرضية، نقوم بالأعمال التي توافق إرادة الروح، يقول الرسول: "الروح يميت أعمال الجسد".

إذا طبقت هذا الكلام "صانع الأرض بقوته" على الأرض الحقيقية، تجد في سفر أيوب: "أين كنت حين أسست الأرض... من وضع قياسها؟!...أو من مد عليها مطمارًا. على أي شيء قرت قواعدها أو من وضع حجر زاويتها؟!" (أي 38: 4-6). أي أن قوة الله هي التي حافظت على الأرض في توازنٍ كاملٍ وعجيبٍ.

انتقل أيضًا إلى المسكونة. إنني أعرف ما هي النفس المسكونة وما هي النفس الخالية. إذا كانت النفس لا تحمل الله، إذا كانت لا تحمل السيد المسيح الذي قال: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" (يو 14: 23)، وإذا كانت لا تحمل الروح القدس، فإنها تكون خالية. لكنها تكون مسكونة حينما تكون ممتلئة من الآب والابن والروح القدس. توجد أمثلة عديدة في الكتاب المقدس، لوجود الآب والابن والروح القدس في نفس الإنسان.

يطلب داود النبي في مزمور التوبة من الآب أن يمنحه هذه الأرواح:

"وبروح مدبر عضدني"،

"روحًا مستقيمًا جدده في أحشائي"،

"روحك القدوس لا تنزعه مني".

من هم هؤلاء الأرواح الثلاثة؟ الروح المدبر هو الآب، الروح المستقيم هو السيد المسيح الابن، والثالث هو الروح القدس.

قلنا هذا لكي نوضح أن المسكونة لم تخلق إلا بحكمة الله. وذلك بما أن: "الحكمة تجعل الحكيم أقوى من عشرة حكام في المدينة"، وأيضًا: "لأن مزدرى الحكمة والتأديب شقي. إنما رجاؤهم باطل وأتعابهم بلا ثمرة وأعمالهم لا فائدة فيها" (حك 3: 11)، كما يقول سفر الحكمة لسليمان.

وأيضًا، بما أن المسكونة قد أسست بحكمة الله، فليكن لنا نحن أيضًا الاشتياق أن يقيم الرب ويؤسس مسكونتنا التي ربما تكون قد سقطت. لأن هذه المسكونة التي لنا قد سقطت حينما جئنا في موضع الفساد[212]، وسقطت حينما أخطأنا وابتعدنا عن الرحمة والحق، وكانت محتاجة أن ُتؤسس.

الله هو الذي "أسس (أعاد تأسيس) المسكونة". فإذا أخذت كلمة المسكونة بمعناها الحرفي المادي، ابحث كيف يمكن أن نقول أن الله قد أعاد تأسيس المسكونة. هل سقطت المسكونة قبل ذلك حتى يعيد الله تأسيسها؟ أما إذا أخذت كلمة المسكونة بالمعنى الذي أشرت إليه قبلاً، وهو النفس البشرية، فإن كل من يوجد في هذه المسكونة يحتاج حتمًا إلى إعادة تأسيس. وإلا لما احتاج أحد إلى إعادة تأسيس لو لم يكن قد سقط قبل ذلك.

من المؤكد أن كل الذين في هذه المسكونة سقطوا بسبب الخطية ثم أقامهم الرب وأعاد تأسيسهم. "إن الجميع ماتوا في آدم" هكذا سقطت المسكونة، واحتاجت أن تُؤسس ثانية حتى أنه "في المسيح الجميع يحيون" بذلك نكون قد قدمنا تفسيرًا مزدوجًا للمسكونة. لقد أوضحنا من جهة كيف أنه في كل إنسان تكون نفسه إما مسكونة أو خالية، ومن جهة أخرى أوضحنا معنى إعادة تأسيس المسكونة نفسها.

"وبفهمه بسط السموات". لم يختبر إرميا كلمة "فهم" مع السموات اعتباطًا. تجد في سفر الأمثال العبارة: "الله في حكمته أسس الأرض وهيأ السموات بفهمه". إذًا يوجد عند الله فهم لن تستطيع أن تجده في أي موضع سوى في المسيح يسوع. فإن كل الصفات الإلهية تتمثل في السيد المسيح: هو حكمة الله؛ وهو قدرة الله؛ وعدل الله؛ والقداسة؛ والخلاص؛ وهو كذلك فهم الله. فمع كونه واحدًا مع الآب في الجوهر، إلا أنه يحمل أسماء متعددة تشير إلى أشياء مختلفة.

إنك لا تستوعب نفس المعنى بخصوص السيد المسيح حينا تنظر إليه بكونه الحكمة وحينما تنظر إليه بكونه العدل.

عندما تنظر إليه بكونه الحكمة تفهم من ذلك عِلْمِهِ بالأشياء الإلهية والإنسانية.

وعندما تنظر إليه بكونه العدل تفهم من ذلك قدرته على إعطاء كل ذي حقٍ حقه.

وإذا نظرت إليه بكونه القداسة فإنك تفهم من ذلك قدرته على تقديس كل المؤمنين بالرب والمكرسين له.

وبنفس الطريقة أيضًا سوف تدركه بكونه الفهم، فهو العالم بالخير والشر وبما هو ليس خيرًا ولا شرًا.

يوجد فصل بين الذين يسكنون السماء أو الذين يلبسون الإنسان السماوي وبين الشر، لأن الله في بسطه للسموات فصل بين الأشياء الفاسدة والأشياء الصالحة، حتى لا يتدنس الإنسان البار الذي يُعتَبَر سماءً. لذلك قيل: "وبفهمه بسط السموات".

كيف إذًا تم بسط السموات؟ الحكمة هي التي تبسطها. تشير هذه الآية إلى كيفية بسط السموات بواسطة الحكمة: "لقد بسطت كلامي وأنتم لم تنتبهوا إليه".

الأمر هنا يتعلق ببسط الكلام[213]. بهذه الطريقة تم بسط السموات. وقد قيل أيضًا في المزمور: "الباسط السموات كشقة (كخيمة)" (مز 103: 2). كذلك نحن أيضًا، فإن نفوسنا التي كانت قبلاً منكمشة، سوف تُبسَط حتى تستطيع أن تستقبل حكمة الله.

نرجع الآن إلى موضوعنا. فقد قلنا أن السموات خلقت بالفهم. وأن الذين لبسوا الإنسان السماوي هم أيضًا سموات.

في الواقع إذ قيل للخاطئ: "أنت تراب وإلى التراب تعود"، أفلا يمكننا بالأولى أن نقول للبار: "أنت سماء وإلى السماء تعود"؟

كما يُقال أيضًا للإنسان الترابي الذي يحمل صورة الإنسان الترابي: "أنت تراب وإلى التراب تعود"، أفلا يقال لك إذا كنت تحمل صورة الإنسان السماوي: "أنت سماء وإلى السماء تعود؟" وكل إنسان منا له أعمال سماوية وأخرى أرضية. الأعمال الأرضية هي التي تؤدي إلى الأرض لأنها تحمل الطبيعة الأرضية، مثل ذاك الذي يكنز في الأرض بدلاً من أن يكنز في السماء. وعلى العكس، فإن أعمال الفضيلة تؤدي إلى المواضع التي تحمل نفس طبيعتها إلى السموات، فالإنسان الذي يكنز في السماء هو الذي يحمل صورة السماوي[214]].

ى. يهب الله نفوسنا أيضًا من مياه الروح القدس، إذ قيل "إذا أعطى قولاً تكون كثرة مياهٍ في السموات" [13]، كأنه إذ يقيم ملكوته في داخلنا يجعلنا سمواته التي تفيض بثمر الروح حتى على الآخرين.

ك. يصعدنا الله كسحاب من أقاصي المسكونة، أي يجتذبنا من أواخر الصفوف كما من أقاصي المسكونة، لا ليضعنا في مقدمة الصفوف، بل ُيصعدنا كسحابٍ مرتفعٍ، ننضم إلى سحابة الشهود القديسين (عب 12: 1). يقول العلامة أوريجينوس:

[إننا نتساءل: كيف ُيصعد الله السحاب من أقاصي الأرض؟ [13] قلنا قبل ذلك أن القديسين كانوا سحبًا. لأن العبارة: "لقد بلغت حقوقك إلى السحاب" لا يمكنها أن تنطبق على السحب التي بلا نفس، ولكن حقوق الله تبلغ إلى السحب التي تنصت إلى أوامر الرب وتعرف أين تُسقط مطرها وأين تمنع المطر.

توجد سحب يأمرها الله أن تمطر أو لا تمطر، وهي التي ُكتب عنها في إشعياء "سوف آمر السحاب ألا يسقط عليها مطرًا". أما بالنسبة للسحب المادية في هذا العالم، فإذا لم يكن هناك مطر فإن هذا لا يعني أن الله يأمر السحاب ألا يمطر على تلك البلاد، إنما سبب عدم نزول المطر هو عدم ظهور أية سحابة، كما هو مكتوب في سفر الملوك: ففي وقت الجفاف لم تظهر أية سحابة، ولكن حينما كان يجب أن ينزل المطر بحسب كلام إيليا ظهر السحاب في السماء وأعطى مطر.

يوجد سحاب آخر يصدر إليه الأمر بألا يمطر حينما تكون النفس غير مستحقة للمطر، وهو ما تقول عنه الآية: "سوف آمر السحاب ألا يسقط عليها مطرًا". إذًا كل قديس يمثل سحابة. كان موسى النبي سحابة، وكسحابة كان يقول: "أنصتي أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي. يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالندى كلامي" (تث 32: 1-2). لو لم يكن موسى سحابة لما استطاع أن يقول ذلك. كسحابة يقول أيضًا: "كالطِّل على الكلأ، وكالوابل (الثلج) على العشب. إني باسم الرب أنادى". وبنفس الطريقة يقول إشعياء كسحابةٍ: "إسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض لأن الرب يتكلم" (إش 1: 2). ولأن إشعياء كان سحابة وكان يدعو جميع الذين يتنبأون معه "سحابًا"، قال في نبوته: "سوف آمر السحاب ألا يُسقط عليها مطرًا".

إن كنا قد فهمنا من هم السحاب، فلننتقل لنرى كيف أن الله "يصعد السحاب من أقاصي الأرض؟"

كيف "من أقاصي الأرض؟"

يقول المخلص: "إذا أراد أحد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادمًا للكل" (مر 9: 35). فهم بولس الرسول هذه الوصية وأصبح الأخير في هذا العالم، فيقول: "إني أرى أن الله أبرزنا نحن الرسل آخرين كأننا محكوم علينا بالموت، لأننا صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس" (1 كو 4: 9). فإن قام أحد بتنفيذ وصية المخلص السابقة ووضع نفسه الأخير في هذا العالم يصبح سحابة. لا يُصعد الله السحاب من وسط عظماء هذه الأرض، ولا من وسط الحكام والرؤساء، ولا من وسط الأغنياء، لأنه: "طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السموات". أرأيت الآن كيف أن الله يُصعد السحاب من أقاصي الأرض؟ وبالتالي إن أردنا أن نصير سحابًا تبلغ إليه حقوق الرب، فلنصر آخر الكل، ولنقل بأفعالنا واستعدادنا: "فإني أرى أن الله أبرزنا نحن الرسل آخرين". وحتى إن لم أكن رسولاً، فإنه يمكنني أن أجلس في الصف الأخير حتى أن الله الذي يُصعد السحاب من أقاصي الأرض يُصعدني أنا أيضًا[215]].

ل. يهبنا برق الروح القدس الناري، ويغنينا من خزينة خزائنه، وكما يقول العلامة أوريجينوس:

["صنع بروقًا للمطر". يقول خبراء الطبيعة أن البروق تحدث نتيجة لاحتكاك السحب بعضها ببعض. نفس ما يحدث على الأرض بالنسبة للأحجار؛ فإذا ضربنا حجرين ببعضهما البعض تتولد نارًا، أيضًا حينما تصطدم السحب ببعضها أثناء العاصفة يحدث البرق. لذلك أيضًا غالبًا ما تكون البروق مصحوبة بالرعود التي تمثل صوت التصادم بين السحب: فالرعد يحمل صوتًا، والبرق يحمل ضوءً ونورًا.

إن كنت قد فهمت هذا، تأمل الآن السحاب الروحي.

كان موسى سحابًا، وكان يشوع بن نون سحابًا، فماذا حدث؟ تحدثت هذه السحب فيما بينها، ومن كلماتهم توّلد البرق.

كان إرميا سحابًا، وكان باروخ سحابًا، ثم تحدثا مع بعضهما فجاءت البروق من كلماتهم معًا. ويمكنك إذا استطعت أن تستخرج من الكتاب المقدس أمثلة مشابهة عن كيفية حدوث البروق. ففي العهد الجديد أيضًا: بولس وسلوانس كانا سحابتين، وعندما تقابلا ظهرت بروق الرسالة[216].

إذًا فإن الله "صنع بروقًا للمطر وأخرج الريح من خزائنه".

هل الرياح الأرضية موجودة في خزائن؟ كيف يمكننا أن نقول ذلك إن كنا في واقع

الأمر لا نعرف ما هي مكونات أو طبيعة هذه الرياح التي تهب على الأرض؟ ومع ذلك فتوجد خزائن للريح، أي خزائن للأرواح: "روح الحكمة والفهم، روح الإرشاد والقوة، روح العلم والرحمة، روح مخافة الرب" "روح القوة والمحبة والنصح"، ويمكنك أنت أيضًا من خلال الكتاب المقدس أن تُكَوّن وتُعِد قائمة لهذه الرياح (الأرواح). هذه الأرواح موجودة في خزائن (كنوز)، فما هي هذه الكنوز؟ "فيه توجد الكنوز الخفية للحكمة والمعرفة".

إذًا هذه الخزائن موجودة في السيد المسيح: ومنه أيضًا تخرج هذه الرياح، هذه الأرواح، لتصنع من الواحد حكيمًا، ومن الآخر مؤمنًا، ولتعطي لثالث معرفة، ولرابع محبة الله: "فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد" (1 كو 12: 8).

نحن أيضًا بنعمة الله، لنا رجاء أن نبلغ إلى هذه الخزائن. حيث توجد خزائن عديدة، فربما يكون هناك أماكن راحة مختلفة في خزائن الله، تبعًا للصف الذي سوف نوجد فيه في القيامة من الأموات[217]. هذا ما أريد أن أقوله: ستكون القيامة من الأموات بحسب الصفوف، لأن الرسول يقول: "كل واحد إلى صفه (مكانه) الخاص".

بما أن هذه الصفوف لا تكون مختلطة بلا نظام، فإن هذا الصف سيكون في خزينة من خزائن الله، والصف الآخر في خزينة أخرى لله، وهكذا الثالث والرابع. جميع هذه الخزائن توجد في خزينة واحدة، لذلك يقول بولس الرسول: "فيه توجد الخزائن الخفية للحكمة والمعرفة". كما أنه بامتلاكي اللآلئ الكثيرة استطعت من خلالها (ببيعها) أن أحصل على اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن، هكذا أيضًا يمكنني أن أبلغ إلى خزينة الخزائن، إلى رب الأرباب وملك الملوك، حينما أصير مستحقًا لنوال الأرواح الخارجة من خزائن الله، لأنه "أخرج الريح من خزائنه[218]"].

هذا هو الإله الذي معرفته تقدم للنفس حكمة سماوية، أما عدم التعرف عليه فيجعلها في بلادة أو غباوة، لذا يقول: "بلَدَ كل إنسان معرفته" [14]. يكاد كل الأنبياء يشيرون إلى هذه الخطية وهي عدم معرفة الشعب لله (إش 1: 3؛ هو 4: 1، 6، ميخا 4: 12، عا 3: 12). يقصد بالمعرفة هنا العلاقة الشخصية القوية والعميقة مع الله عقلانيًا، وعاطفيًا، وسلوكيًا.

يقول العلامة أوريجينوس:

["بَلُدَ كل إنسانٍ من معرفته" أو (صار كل إنسانٍ جاهلاً من المعرفة) [14].

إن كان كل إنسانٍ قد صار جاهلاً من المعرفة، وبما أن بولس إنسان، فقد صار جاهلاً من المعرفة لأنه لم يكن يعلم إلا بعض العلم ويتنبأ بعض التنبؤ، صار جاهلاً من المعرفة، لأنه لم يرَ إلا في مرآة، في لغز (1 كو 13: 9، 12). لم يدرك ولم يرَ من الأشياء إلا جزءًا صغيرًا جدًا[219]].

[المعرفة التي كانت عند بولس لو قورنت بالمعرفة الأخرى التي في السموات، أي المعرفة الكاملة، تصبح جهلاً. لهذا السبب بَلُدَ كل إنسان من معرفته[220]].

لنلتصق بالله ونسلك كأولاد له، منصتين لقول الرسول بولس: "فأقول هذا واشهد في الرب أن لا تسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضًا ببطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله بسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم" (أف 4: 17-18). هذا ما عناه إرميا النبي هنا!

في ختام مقارنته بين عبادة الله الحيّ وعبادة الأوثان يؤكد أن الله لا يغير على مجده كمن هو في حاجة إلى من يتعبد له أو يمجده، وإنما لأجلهم هم. فإن كانوا قد خانوه إنما خانوا أنفسهم، لأنهم يحرمون أنفسهم من الله نصيبهم وأن يكونوا نصيبه! إنهم فقدوا معرفة الله العملية في حياتهم ففقدوا معرفتهم لأنفسهم كميراث الرب وجنوده. لهذا يوبخهم: "ليس كهذه نصيب يعقوب، لأنه مصوِّر الجميع، وإسرائيل قضيب ميراثه؛ رب الجنود اسمه" [16].

كثيرًا ما يتحدث الكتاب المقدس عن الله كنصيب شعبه (عد 18: 20؛ تث 32: 9، مرا 3: 24) وتغنى بذلك المُسبحون (مز 16: 5؛ 37: 26؛ 119: 57؛ 142: 6).

2. الخروج عن الأرضيات:

يصور هذا القسم الهزيمة بواسطة العدو القادم بجيشه من الشمال كما لو حدث زلزال (اضطراب [22]) اهتزت له الأرض، ويوضح تأثيره على الشعب، والمفهوم اللاهوتي

لهذه الهزيمة.

للرجوع إلى الله لا يكفي ترك الوثنية، وإنما يتطلب انتزاع محبة الأرضيات من قلوبهم. الارتباط بالأرض يحوّل الإنسان بكليته إلى أرضٍ وترابٍ.

"اجمعي من الأرض حزمك أيتها الساكنة في الحصار" [17].

هنا تصوير للأمر الذي يصدر للأسرى أن يحمل كل منهم الضروريات جدًا في حزمة ليضعها على رأسه، ويسير الكل مقيدين إلى السبي. هكذا يخرج الكل كعبيدٍ يحملون من أمتعتهم القليل في مذلة، بينما يستولى الجيش الغالب على أفخر ممتلكاتهم وأثمنها!

هكذا الإنسان الذي قبل بإرادته أن يكون أسيرًا لمحبة العالم، يخرج كما من العالم في مذلةٍ، لا يحمل من كل ما اقتناه وتعبَّد له إلا القلة القليلة أو العدم ليخرج من العالم كأسير في مذلةٍ وعارٍ!

كأنه يقول: إن كنتِ تشعرين أنكِ في حصار مرّ، وتحت التأديب، فالحل بين يديك. فُكِ أوتادك من الأرض، اقطعي ربطكِ منها، لكي يرتفع القلب مع الله في سمواته.

"لأنه هكذا قال الرب:

هأنذا رامٍ من مقلاع سكان الأرض هذه المرة (في هذا الوقت عينه)،

وأضيق عليهم لكي يشعروا" [18].

لقد انتهي وقت الإنذارات المتكررة، وجاء وقت التأديب، لهذا يلقي الله بشعبه في السبي كمن ُيلقى بحجر من مقلاع، كأنه بلا قيمة، ويذهب بلا رجعة!

هذا هو حال كل نفسٍ ترتبط بالأرض لا بخالقها، يحملها الخالق كما بمقلاع ليلقى بها خارج الأرض التي أوجدها لأجلها! من يتعبد للأرضيات عوض تقديم الشكر لواهبها يفقد حتى هذه الأرضيات!

تعاتب مملكة يهوذا المنهارة بنيها الذين حطموها وهربوا، ورعاتها الذين صاروا في بلادة، قائلة:

"خيمتي خربت وكل أطنابي ُقطعت،

بنيَّ خرجوا عني وليسوا.

ليس من يبسط بعد خيمتي ويقيم ُشققي" [20].

أخشى أن ينطبق علينا قول إرميا النبي [20]، بعدما نصير في الرب خيمة مقدسة نعود فنخربها، ونقطع ُربطها، فيتحول البنون العاملون لحساب الخيمة إلى طاقات للهدم.

خراب الخيمة يشير إلى هلاك الجسد الذي خلقه الله صالحًا ليكون مع النفس مسكنًا لروحه القدوس. هو انحراف الإنسان ككل عن الحياة السماوية اللائقة به إلى حياة أرضية. لذا يقول الرسول بولس: "ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" (رو 12: 2).

3. قبول تأديبات الرب:

"عرفت يارب أنه ليس للإنسان طريقه،

ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته.

أدبني يارب، ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني" [23-24].

كان إرميا النبي مقتنعًا بأن الشعب كان يمكنه - إن أراد - أن يصحح خطأه، لكنه لم يرد ذلك، فصار خطأه بلا علاج.

لكي نرجع إلى الرب يلزمنا أن نفهم تأديبات الرب، فنصرخ: "أدبني يا رب لكن بالحق لا بغضبك..."

يليق بنا أن نؤمن أن ذاك الذي خلق العالم لأجلنا من حقه أن يوجهنا، ويملك علينا، لا ليتسلط علينا، وإنما لكي يشكِّلنا، فنحمل صورته، ونصير على مثاله، ونتأهل أن نكون أولادًا له، نرث ملكوته ونشترك في أمجاده الأبدية.

إنه يحزن على الإنسان الذي يرفض أن يقبل الله ميراثًا له، ويقدم حياته نصيبًا للرب، إنما يطلب غير الله نصيبًا. إنه يعاتبه، قائلاً: "ليس كهذه نصيب يعقوب، لأنه مصوِّر الجميع، وإسرائيل قضيب ميراثه، رب الجنود اسمه" [16].

كأن الله يؤكد أنه حتى في تأديباته لا يطلب ما لنفسه بل ما لبنيان شعبه ومجده.

في ذهن إرميا النبي يحتاج الضعف البشري إلى العون الإلهي لمساندته، حيث يعجز الإنسان بذاته أن يستمر في مقاومته للشر وأن يسلك بالبر كل أيام حياته لذلك يقول: "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، من يعرفه؟!" (17: 9).

 ولعله يقصد أن الإنسان أشبه بالطين في يد الخزاف الذي يشكل الطين حسب الصورة التي في ذهنه (إر 18، إش 45: 9-13).

تستخدم كلمة "أدبني" yissar في مواضع كثيرة في العهد القديم عن العقوبة التي ُتقدم للإصلاح أو التعليم، وليس كمجازاة حسب ُجرم الخطأ لتحقيق العدالة. إذ يوجد نوعان من العقوبة: واحدة خلال الرحمة للتعليم "الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يُسر به" (أم 3: 12)؛ والثانية خلال العدل للقصاص وهي مدمرة: "القصاص مُعد للمستهزئين" (أم 19: 29).

هذا وتستحق كل الأمم غير المؤمنة العقوبة كما تستحق مملكة يهوذا أيضًا ذات العقوبة لأنها:

أ. لا تعرف الرب... عرفت مملكة يهوذا الرب بفكرها لا بحياتها.

ب. لم ُتدع باسمه... صارت مملكة يهوذا أيضًا تدعو الحجارة والخشب آلهة لها.

ج. تأكل أولاده ويفنوهم ويخربوهم، إذ ثارت مملكة يهوذا على رجال الله واضطهدتهم.


من وحي إرميا 10

من يروى ظمأ نفسي؟!

v     من يروى ظمأ نفسي؟!

 من ينير ظلمتي؟!

 إلا أنت يا شمس البر، يا نور حياتي!

v     اعتزلتك يا حبيب، فعانيت من الشعور بالعزلة والحرمان!

 تركتك يا حياتي، فاقتحم الموت أعماقي!

 تجاهلتك يا قوتي، فامتلأت رعبًا!

 صرت كالقدامى في جهالة أخشى حركات الكواكب وظواهر السماء!

 في غباوة أخشى الطبيعة التي خلقتها لأجلي!

 صرت كطير يخشى اللعين (خيال المقاتة)!

v     لتبرق في داخلي، فأستنير وأتعرف على أسرارك!

 لتمطر في قلبي، فتجعل منه فردوسًا مثمرًا!

 ليهِب ريحك، فامتلئ بفيض نعمتك!

v     لقد تحطمت خيمتي، وانحلت رباطاتها!

 قل كلمة، فتصير خيمتي بيتًا مقدسًا لك!

 وتتحول أرضي الداخلية إلى سمواتك!

 قل لي: أنت سماء وإلى سماء تعود!

v     أعترف لك إنني تراب، وإلى تراب أعود،

 الآن حولني بتأديبات محبتك إلى سمواتك!

 اجعلني مسكنًا لك، ولتسكن أنت فيّ!

 كن نصيبي، وأكون أنا نصيبك يا شهوة قلبي.

v     أنت صانع الأرض بقوتك،

 جسدي هو أرضك محتاج إلى قوتك!

 يتقدس بروحك القدوس فيعيش في قوة ومجد!

 أنت مؤسس المسكونة بحكمتك،

 نفسي الخاوية تود أن تصير مسكونة،

 تسكنها أيها الثالوث القدوس،

 فتحمل حكمة إلهية فائقة!

 أنت باسط السموات بفهمك،

 من يحول ترابي إلى سماء غيرك؟!

 لا تقل لي: "أنت تراب وإلى تراب تعود".

 لكن بنعمتك وفهمك أيها القدوس قل:

 أنت سماء وإلى سماء تعود!

 فهمك حوَّل ترابي إلى السماء!

v     تعطى قولاً فتكون كثرة مياه في السموات،

 تأمر نفسي التي أقمتها لك سماءً،

 فتفيض من ثمر الروح،

 تسكب حبًا ووداعة ونقاوة كمطر على أرض الغير،

 تحول البراري إلى بساتين بفضل نعمتك فيّ!

v     تجتذبني يا إلهي كما من أقاصي الأرض،

 تضمني كما من أواخر الصفوف،

 لا لتقيمني في أوائل الصفوف فحسب،

 بل تجعل مني سحابة نيرة ترتفع فوق الأرضيات!

 حقًا: أنت الذي تصعد السحاب من أقاصي الأرض!

v     فيك نلتقي معًا كسحاب روحي،

 تخرج منا رعود وبروق،

 رعود صوتك الإلهي الساكن فينا،

 وبروق نورك الفائق أيها الساكن في نورٍ لا يُدنى منه!

 نعم تدخل بنا كما إلى خزينة خزائنك،

 وتفتح أمامك أبوابها فنعترف من فيض غناك،

 وننعم برياح عملك القدوس!

 بك نغتني أيها الغني السماوي!

[208] ترشيش: هذا الإسم غالبًا مشتق من كلمة "رشش"، ُوجدت في االلغة الأكادية مرتبطة بالمعادن البراقه ومنتجات المناجم، لهذا اشتهر هذا الإسم بمعنى تكرير المعادن.

يرى العلامة أوريجينوس أن كلمة ترشيش تعنى بحرًا أو تأملاً في الفرح أوجمالاً، وقد أراد يونان النبي أن ينزل إليها، أي إلى بحر حكمته البشرية وجمالها والفرح بها عوض الطاعة للوصية الإلهية الصعبة الخاصة بخلاص أهل نينوى (راجع كتابنا عن سفر يونان).

شعب ترشيش جاء عن ياوان (تك 10: 4)، وُيعتقد أنها ترتيسوس الواقعة في جنوب أسبانيا قرب جبل طارق، ولعلها هي قرطاجنة المدينة الواقعة شمال غرب أفريقيا. كانت غنية جدًا بالمعادن كالفضة المطرقة، والمصنوعة ألواحًا (إر 10: 9) والحديد والقصدير والرصاص. إن كانت شبا وددان تمثلان التجارة في الشرق، فإن ترشيش تمثل التجارة في الغرب، لهذا جاء في حزقيال النبي: "شبا وددان وتجار ترشيش وكل أشبالها يقولون لك: هل لسلبِ سلبٍ أنتَ جاءٍ؟! هل لغنم غنيمةٍ جمعت جماعتك لحمل الفضة والذهب؟! لأخذ الماشية والقنية لنهب نهبٍ عظيمٍ؟!" (38: 13).

[209] Cat. Lect., 3:5.

[210] De Baptismo, 2.

[211] ميمر عن المعمودية.

[212] أي أن موطن النفس كان في اللَّه، ثم بسقوطها جاءت في جسد الفساد.

[213] "السماء المنبسطة" بين الخير والشر تتمثل في كلمات الحكمة التي تمكن الإنسان من التمييز بين الخير والشر.

[214] In Jer. hom. 8:1,2.

[215] In Jer. hom. 8:3,4.

[216] جاء في الرسالة الأولى والثانية إلى أهل تسالونيكى: "بولس وسلوانس وتيموثاوس إلى كنيسة التسالونيكيين".

[217] يرى العلامة أوريجينوس أن الحياة السماوية سوف تحمل درجات بحسب استحقاق كل واحد ومشاركته للسيد المسيح، وسيكون هناك تقدم مستمر من درجة إلى أخرى.

[218] Ibid 8:4-6.

[219] Ibid 8:7.

[220] Ibid.