اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ

يوم الرب

ينطلق بنا النبي من الحديث عن التأديبات الإلهية إلى يوم الرب العظيم الذي فيه يتمجد الله بكسر كبرياء الأمم وتكريم أولاده الذين تجاوبوا مع التأديبات الأبوي مقدمًا لهم هبات أبدية.

1. محاكمة الأشرار فى وادي يهوشافاط       [1-8].

2. الرب ملجأ لشعبه                          [9-17].

3. عطايا الله الأبدية                           [18-21].

1. محاكمة الأشرار في وادي يهوشافاط:

لكي تكون التوبة فعالة في حياة الكنيسة، وفي حياة كل عضو فيها، يلزمنا التطلع إلى يوم الرب أنه قريب، فيه نرى التأديبات الحاضرة، وإن كانت مُرّة ومحزنة لكنها نافعة للبنيان، نرى ظهور الرب لخلاصنا الأبدي ومعاقبة الأشرار، يرى الساقطون تحت التأديب أن مجدهم قادم سريعًا وخزى إبليس يتحقق فعلاً، يقول النبي: "لأنه هوذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت عندما أرد سبي يهوذا وأورشليم أجمع كل الأمم وأنزلهم إلى وادي يهوشافاط وأحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بددوهم بين الأمم وقسموا أرضي والقوا قرعة على شعبي وأعطوا الصبي بزانية وباعوا البنت بخمر ليشربوا" [1-3].

تتم المحاكمة في وادي يهوشافاط الذي يعني في العبرية "وادي يهوه يقضي أو يُدين"، أي "وادي الدينونة"... هذا الوادي غير معروف تمامًا، غير أن رجال القرن الرابع رأوا أنه وادي قدرون شرقي أورشليم مقابل جبل الزيتون غربًا، ويرى البعض أنه وداي الجوز شمالي أورشليم أو وادي الربابة جنوبي المدينة.

لماذا اختار وادي يهوشافاط للدينونة؟

أولاً: اُختير من أجل المعنى الرمزي فأن يهوه نفسه هو الذي يقضي، الله هو الديان، لأنه فاحص القلوب والكلى.

ثانيًا: إنه وادي بجوار أورشليم يجتمع فيه الكل ليدين الله الأشرار حسب فعلهم، ويدخل بأولاده إلى أورشليم العليا التي يُحرم من رؤية مجدها الأشرار، لا تكون الدينونة في أورشليم إذ لا يدخلها شيء دنس أو رجس، بل هي مسكن الله مع الناس (القديسين) (رؤ 21: 3).

ثالثًا: يذكرنا وادي يهوشافاط بما حدث مع جيوش الأمم المهاجمة ليهوذا (2 أي 20)، فقد حطمهم الرب في نفس الموضع الذي اجتمعوا فيه لمحاربة أولاده، وكأنه تتم محاكمة المجرم في موضع جريمته. كان وعد الرب للملك يهوشفاط وشعبه الصارخ بتذلل وصوم: "لا تخافوا ولا ترتاعوا بسبب هذا الجمهور الكثير، لأن الحرب ليست لكم بل لله... قفوا اثبتوا، وأنظروا خلاص الرب معكم. ولما جاء يهوذا إلى المرقب في البرية تطلعوا إلى الجمهور، وإذا هم جثث ساقطة على الأرض ولم ينفلت أحد" (2 أي 20: 24). حقًا إن المقاومين لنا جمهور عظيم، وكما يقول الرسول بولس: "فإن مصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السموات" (أف 6: 12)، لكننا ننعم بقوة ضد إبليس وجنوده، هي قوة الصليب المحطمة شرهم، "إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15)، هذا هو وادي يهوشافاط، حيث كان السيد المسيح خارج المحلة، خارج أوشليم يهلك العدو الشرير بصليبه ليردنا إلى ملكوته الأبدي! إنها محاكمة قد تحققت بالصليب، وتبقى فاعليتها في حياة كل من اتحد بالمصلوب حتى يلتقي بالرب وجهًا لوجه في يومه العظيم، لهذا يحثنا الرسول بولس: "فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره، لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة" (عب 13: 14). إنها دعوة للخروج إلى وادي يهوشافاط، خارج أورشليم، حاملين صليب الرب لنرى بأعيننا هزيمة إبليس وأعماله تتحقق كل يوم في حياتنا، منطلقين نحو مدينتنا الباقية.

لننطلق إلى وادي يهوشافاط لنرى الرب يقضي لنا ضد إبليس وإغراءاته وتهديداته، فلنلمس ما سبق فأعلنه النبي: "لأن للرب يوم انتقام، سنة جزاء، من أجل دعوى صهيون" (إش 4: 8). "لأن يوم النقمة في قلبي وسنة مفديّيَّ قد أتت" (إش 63: 4). فيوم النقمة قد تحقق وأتى فعلاً بارتفاع الرب على الصليب مجتذبًا إليه صهيون من وسط الجحيم ومحطمًا قوى الشر تحت قدميه، ويبقى هذا اليوم ممتدًا في حياتنا، مادامت ذبيحة الصليب لم تفسد ولا غلبها الجحيم، وإذ تكمل خطة الله نحو جميع المختارين يترآى لنا الرب وجهًا لوجه ويظهر إبليس مقيدًا في الهاوية.

في هذا الأصحاح أبرز الله يومه العظيم في جوانبه الثلاثة:

أولاً: تمجيد اسم الله الذي أهانه الأمم بمهاجمتهم أولاده، إذ يقول: "فتعرفون أنيّ أنا الرب إلهكم ساكنًا في صهيون جبل قدسي" [17]. وفي يوم الدينونة يتمجد الله الذي خلص أولاده من أسر إبليس معلنًا سكناه الأبدي في وسطهم، إذ يقول القديس يوحنا: "سمعت صوتًا عظيمًا من السماء، هوذا مسكن الله مع الناس، وهو يسكن معهم وهم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم" (رؤ 21: 3).

ثانيًا: إخضاع كبرياء الأمم وكما يقول إشعياء النبي: "هل تفتخر الفأس على القاطع بها؟! أو يتكبر المنشار على مردده؟! كأن القضيب يحرك رافعه، كأن العصا ترفع من ليس عودًا" (إش 10: 15)، هكذا ظن الأمم الذين استعدمهم الله لتأديب شعبه أنهم أعظم من الذي سمح لهم بذك، فافتخروا على الله الحق وتشامخوا عليه. لهذا بعدما يتحقق الهدف منهم يعود فيرد إليهم أعمالهم: "فإنه قريب يوم الرب على كل الأمم؛ كما فعلت يُفعل بك، عملك يرتد على رأسك (عو 15). لهذا دعى يوم الرب يوم خراب. "ولولوا لأن يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر على كل شيء" (إش 13: 6). ودعى يوم انتقام: "فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة للإنتقام من بغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم" (إر 46: 10). "لأنادي بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا لأعزي كل النائحين" (إش 16: 2)، "لأن يوم النقمة في قلبي وسنة مفديّيَّ قد أتت" (إش 63: 4)، كما دعى يوم سخط: "قبل أن يأتي عليكم حمو غضب الرب، قبل أن يأتي عليكم يوم سخط الرب" (صف 2: 2).

ثالثًا: كمال تحرير شعب الله الذي سقط في العبودية زمانًا وصاروا تحت سخرية الأمم، لهذا يقول: "عندما أردُّ سبي يهوذا وأورشليم" [1]. فهو الذي يسمح لنا بالتأديب حتى بالعبودية إذ قبلناها بإرادتنا يرسل لنا عونًا ليحررنا كما أرسل موسى لفرعون، قائلاً: "قلت لك أطلق ابني ليعبدني" (خر 4: 23).

تطلع الله فوجد أولاده وبناته يُباعون بالزنا والسكر، فيبيعون الصبي بزانية، والبنت بكأس خمر للشرب! باعوهم للياوانيين (اليونانيين) [6] تجار النفوس (خر 27: 13). حقًا ما أصعب على قلب الله أن يرى ميراثه وخاصته ونصيبه وكنزه يبدده العدو المستبد بأرخص الأثمان! إنه يغار على نفوس أولاده وبناته، الذين هم كنزه: ذهبه وفضته ونفائسه الجيدة. لذا يقوم ليحررهم قائلاً للعدو: "أرد عملكم لأنكم أخذتم فضتي وذهبي وأدخلتم نفائسي الجيدة إلى هياكلكم وبعتم بني يهوذا وبني أورشليم لبني ألياوانيين لكي تبعدوهم عن تخومهم... أبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم للسبائيين لأمه بعيدة لأن الرب قد تكلم" [4-8].

ما هي القضة أو الذهب أو النفائس الجيدة التي يدخلها العدو إلى هياكله، إلاَّ نفوس أولاد الله الثمينة التي يحسبها في عينيه كنزه الثمين، فقد اقتنصها العدو للعمل لحساب هيكل غريب معادٍ لله، هو هيكل محبة العالم والتمتع بملذات الجسد الدنسة؟! لقد بيع أولاد الله للغرباء، فصاروا عبيدًا لخطايا كثيرة كمن هم تحت سطوة فرعون ورجاله. لكن الرب في كل وقت يؤكد عمله الخلاصي بالصليب من أجل نفوس عبيده، قائلاً: "أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين، وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليِّ، فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون ليّ خاصة من بين جميع الشعوب، فإن ليّ كل الأرض، وأنت تكونون ليّ مملكة كهنوتًا وأمة مقدسة" (خر 19: 4-6). كما قيل: "إن قسم الرب هو شعبه، يعقوب جبل نصيبه" (تث 32: 9). يعمل لحساب شعبه، نصيبه، ليحرره تمامًا فيجعل منه سماء جديدة وأرضًا جديدة يسكنها البرّ (2 بط 3: 10-13). لا يقدر أن يسطو عليها العدو بعد.

تسلمنا من الله فضته التي هي كلمته... الحية المصفَّاه سبع مرات (مز 12: 6)، وذهبه، أي السمة السماوية، ووهبنا ثمار الروح التي هي النفائس الجيدة، فلا ندخل بهذه إلى غير هيكل الرب، بل نسلك بأمانة فيما قد وهبنا، لكي ننعم بالكثير بعدما تمتعنا بالتوبة لقد حملوا نفائس الرب الجيدة إلى هياكلهم الشريرة، ذلك كمن يستخدم سمات الحب التي وهبه الله إياها في شهوات الجسد، أو كمن يستغل محبة الآخرين له بسبب تدينه أو معرفته الروحية في غير طريق الرب!

أخيرًا، ماذا يعني الرب بقوله: "أبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبعوهم للسبائيين؟" [8]. ربما قصد بذلك ما حدث أيام المكابيين الذين غلبوا أعداءهم، أو يقصد إدانة القديسيين للعالم كقول الرسول: "ألستم تعلمون أن القديسيين سيدينون العالم؟!" (1 كو 6: 2)، فحين يُحرم الأشرار من المجد يُدانون من خلال القديسيين الذين كسبوا الحرية الأبدية خلال التوبة الصادقة في الرب. 

2. الرب ملجأ لشعبه:

بعد أن أعلن عن يوم الرب العظيم الذي فيه يتمجد الله بتحرير أولاده من سطوة الشر أعلن أن سرّ الغلبة لا في الإنسان ذاته وإنما في الله ملجأه.

يبدأ أولاً بالسخرية بالأمم التي اتكلت على ذاتها وإمكانياتها ليعلن ضعفها أمام الله الذي يسند أولاده واهبًا إياهم الغلبة. ففي تهكم يقول: "نادوا بهذا بين الأمم، قدسوا حربًا، انهضوا الأبطال، ليتقدم ويصعد كل رجال الحرب. اطلبوا سكاتكم سيوفًا ومناجلكم رماحًا؛ ليقل الضعيف بطل أنا" [9-10].

إنهم يحاربون بكل طاقاتهم، وإذا بهم يحطمون أنفسهم، وكما قيل: "هيجوا أيها الشعوب وانكسروا... تشاوروا مشورة فتبطل، تكلموا كلمة فلا تقوم، لأن الله معنا" (إش 8: 9، 10). هنا أيضًا يسألهم إن أرادوا فليقدسوا حربًا، أي يكرسوا كل طاقاتهم وإمكانياتهم للحرب، وليأتوا بجميع أبطالهم دفعة واحدة، ليحولوا سكاتهم (أسنان المحراث) إلى سيوف، ومناجلهم إلى رماح، أي ليكرسوا كل إمكانياتهم فإنهم هالكون لا محالة!

في تهكم يقول لهم: "ليقل الضعيف بطل أنا" [10]، فقد ظن الشيطان في نفسه بطلاً زمانًا هذا مقداره، ولم يدرك أنه ضعيف للغاية عند دخوله المعركة مع الرب نفسه على الصليب.

ويرى كثير من الأباء في قول الرب: "ليقل الضعيف بطل أنا" أنها كلمات موجهة لكل مؤمن يدرك أنه ضعيف بذاته، يتشدد بالرب ملجأه قائلاً "بطل أنا" وكما يقول الأب سيرينوس: [اسمع ما يقوله الملك (الله) نفسه مستصوبًا الرجال الشجعان مستدعيًا إياهم للحرب الروحية ضد الخطية، قائلاً: "ليقل الضعيف بطل أنا والمتألم مصارع أنا". فلا يحارب في المعركة الربانية إلاَّ الضعفاء... لأنه "حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 9). وأيضًا: "لأن قوتي في الضعف تكمل" (2 كو 12: 9)[37]].

إن كنا أمام الشيطان ضعفاء لكننا بالرب أقوياء وأبطال، وكما كتب القديس يوحنا ذهبي الفم لصديقه الراهب الساقط: [إن كان الشيطان لديه هذه القدرة أن يطرحك أرضًا من العلو الشامخ والفضيلة السامية إلى أقصى حدود الشر، فكم بالأكثر جدًا يكون قادرًا أن يرفعك إلى الثقة السابقة، ولا يجعلك فقط كما كنت، بل أسعد من ذي قبل]. [اسقطنا الشيطان وطرحنا، أما نحن فعلينا أن نقوم ولا نسقط مرة أخرى، حتى لا نطرح أنفسنا لتضيف إلى ضرباته لنا ضربات أخرى[38]].

إذن ليتنا لا نرتعب من إبليس حتى وإن ظهر كجماهير كثيرة وقوية، إذ هو ضعيف للغاية أمام الله الساكن فينا. يقول النبي "جماهير جماهير في وادي القضاء، لأن يوم الرب قريب في وادي القضاء، الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحتجز لمعانها. والرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطي صوته فترتجف السماء والأرض. ولكن الرب ملجأ لشعبه وحصن لبني إسرائيل" [14-16].

ان كانت الأمم قد صارت كالشمس في العالم أو القمر أو حتى النجوم، فإنها أمام الله – شمس البر – تظلم ويختفي لمعانها الزائف.

يقوم الرب نفسه كأسد خارج من سبط يهوذا يحمي أولاده ويحصنهم فيه، صوته يرعد الخطية، فترتجف أمامه ولا تقطن في نفسك (السماء) ولا في جسدك (الأرض).

يحدثنا القديس مارافرام السرياني عن الله كملجأ لنا، قائلاً: [ليكن الله هو ملجأ لك... إن كانت عنايته لا تتخلى عنك فلا يستطيع شيء أن يؤذيك. لا تخف من الأعداء الذين يهجمون عليك بعنف، فإن الله يحفظ نفسك ويحول الأمور الضارة إلى أمور نافعة[39]].

أما علامة النصرة بالرب فهي أنه بينما نحن نلتجىء إليه كحصن لنفوسنا، إذا به يعلن ذاته فينا ولا يسمح لغريب أن يملك في أورشليم مقدسه، ولا يجتاز فيها الأعاجم في ما بعد [17].

3. عطايا الله الأبدية:

تُعلن غلبتنا بالرب بسكناه وحده فينا، يملك على القلب ولا يسمح لأعجمي أن يجتاز في مملكته... تصير الأرض وملؤها للرب ولمسيحه. هذه الحضرة الإلهية تعلن عن ذاتها خلال فيض الثمر الذي يظهر فينا، وينابيع الروح التي تتفجر في داخلنا:

"ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيرًا (خمرًا جديدًا)،

والتلال تفيض لبنًا،

وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء،

ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقي وادي السنط (شطيم)" [18].

ما هذه الجبال والتلال والينابيع وبيت الرب إلاَّ جوانب للكنيسة المنتصرة التي يسكنها الرب واهب الغلبة فيجعل من أولادها جبالاً مقدسة له، تفيض عصيرًا يروي البالغين، وتلالاً حية تفيض لبنًا للأطفال، وينابيع لا تنضب يلجأ إليها الكل، وبيت للرب يفرح السمائيين؟!

لعله يُشير أيضًا إلى العصير (الخمر الجديد) بكونه الروح القدس الذي يسكر النفس بحب الله ويملأها فرحًا أبديًا. فالجبال تُشير إلى العاملين في كرم الرب هذا الروح الإلهي يتمتع به البالغون كخمر روحي مفرح، ويقتات به الأطفال كلبن يسندهم، وكمياه حية تروي كل نسمة تعطش إليه. يقول السيد المسيح نفسه: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب، من آمن بيّ كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو 7: 37، 38).

حديثه عن الينبوع الذي يخرج من بيت الرب ليسقي وادي السنط أو وادي شطيم إنما ينبوع المعمودية الذي رأه حزقيال النبي خارجًا من تحت عتبة بيت الرب نحو المشرق، والمياه نازلة من تحت جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح، هذا الذي يروي أشجارًا كثيرة جدًا من هنا ومن هناك، مياهه شافية تضم سمكًا كثيرًا جدًا (حز 47). إنه ينبوع المعمودية الذي يفيض على وادي السنط الجاف وغير المثمر، الذي لم يكن ينمو فيه سوى شجر السنط... تحوله المعمودية إلى وادٍ مخصب، به كل أنواع الشجر المثمر! هذا هو النهر الذي فاض بفروعه الأربعة على الأمم في كل جهات المسكونة ليقيم الله فردوسه الحيّ عوض وادي السنط (شطيم) القفز. يبدأ هذا الوداي شمال غربي أورشليم وينحدر إلى شرق المدينة، فاصلاً إياها عن جبل الزيتون، ثم يسير إلى الجنوب الشرقي نحو البحر الميت، ربما هو وادي النار حاليًا.

على أي الأحوال يختم يوئيل نبوته بإعلانٍ فيض عمل الله في كنيسته ليس فقط من الجانب الإيجابي حيث تفيض عصيرًا ولبنًا ومياهًا حية، وإنما من الجانب السلبي يُحطم فيها أعمال الإنسان القديم الذي رُمز إليه هنا بمصر (محبة العالم) التي تأسر الإنسان كما استبعد فرعون شعب الله وأدوم (حب سفك الدم والظلم)... إنه يهيئها لذلك اليوم العظيم لتنضم معه في مجده الأبدي.

يقدم لنا يوئيل النبي في هذا الأصحاح البركات الإلهية التالية:

أ. الأعداء يُطردون ويُلقون هالكين [1-15].

ب. أورشليم، تخلص [16، 17].

ج. الأرض، تتبارك [18].

د. يهوذا يتجدد [19-21].

هذا هو عمل الله فينا، إذ يُحطم العدو الشرير تحت أقدامنا، ويخلص أورشليمنا الداخلية، هيكله المقدس، ويقدس أرضنا، أي جسدنا، ويعلن مملكة الخارج من سبط يهوذا في أعماقنا.

 

 

 


من وحي يوئيل 3

يومك... يوم الحرية!

v   سمحت لشعبك بالتأديب،

بسبيهم في بابل،

لكنك سرعان ما أدبت بابل العنيفة القاسية.

جعلت يومك يوم الحرية والفرح!

v   دِنْ يارب خطيتي التي أسرتني في مذلة،

أما نفسي المحبوبة لديك فحررها بيمينك!

v   أعترف لك انني أفسدت عطاياك ليّ،

حولت طاقاتي وعواطفي وكل إمكانياتي للشر.

قدس حياتي،

جدد أعماقي،

رُدْ كل طاقاتي إلى ملكوتك!

v   اعترف لك إنني أسير الخطية...

ضعيف أنا، ومرذول!

لكن بك أصير قويًا!

بصليبك أحطم قيود العدو وتتحرر نفسي.

يوم صلبك هو  يوم إعلان حريتي!

[37]  37. Cassian: Conf. 7: 5.

[38] رسالة إلى ساقط يائس، 1964، ص 7، 38

[39] ارشادات ونصائح للقديس مار افرام السرياني، 19.