لماذا لم يسمح الله لداود النبي والملك أن يبني له بيتًا، مع أن الحروب التي خاضها داود كانت بأمر الرب، بينما سمح لابنه سليمان بهذا الشرف؟ وهل معنى هذا أن سليمان ابنه نال رضا الله أكثر من داود أبيه؟

  • لماذا لم يسمح الله لداود النبي والملك أن يبني له بيتًا، مع أن الحروب التي خاضها داود كانت بأمر الرب، بينما سمح لابنه سليمان بهذا الشرف؟ وهل معنى هذا أن سليمان ابنه نال رضا الله أكثر من داود أبيه؟

    لا يعني عدم سماح الله لداود ببناء بيت أنه غير راضٍ عليه، بسبب الحروب الكثيرة، التي خاضها ضد أعدائه، لأن هذه الحروب لم تكن لها أغراض شريرة، ولكنها تمت برضا الله، وكانت سببًا في تأسيس مملكة إسرائيل، وتثبيتها.
    حقًا لم يسمح الله لداود ببناء بيت خاص به، لأنه رجل حروب، ولكن هذا لا يعني أن الله كان غاضبًا على داود، وهذا ما سنوضحه فيما يلي، لكننا لا بد أن نتعرف أولًا على ما هو المقصود بهذا البيت، وهل داود هو الرجل المناسب لبنائه؟
    سنتناول بالنقاش أولًا ما هو هذا البيت، الذي سيبنيه سليمان، ثم ثانيًا حروب داود، وهل كانت سببًا في غضب الله عليه؟
    أولًا: بيت الله
    فيما يلي نذكر بعض الملاحظات الهامة عن البيت الذي يسرّ الله.
    1. ليست كرامة الله في المظهر الخارجي.
    طلب داود الملك أن يبني بيتًا فخمًا ليكرّم الله، ولكن الله لم يقبل ذلك، لأنه لا يليق به أن يُكْرَّم بمظاهر العظمة الظاهرية. لقد أكد الرب لداود على فم ناثان النبي، أن رضاه هو سكناه وسط شعبه، وأنه لم يطلب من قبل من القضاة، الذين حكموا إسرائيل أن يبنوا له بيتًا، كقوله: "فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ إِلَى أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنَ الأَرْزِ؟" (2صم ٧: ٧).
    إن الله ارتضى أن يسكن في خيمة وسط شعبه، كما ارتضى أن يتجسد ويتأنس، ويحل بين البشر. لقد أكد القديس إسطفانوس أول الشهداء أن الله أعظم من أن يطلب بيتًا أرضيًا، لسكناه كالبشر، قائلًا: "السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي؟ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟" (أع ٧: ٤٩).06 07
    2. البيت الذي أخبر الرب عنه ناثان النبي.
    لم يسمح الله لداود ببناء البيت، الذي تمنى بناءه، لكنه سمح لابنه الملك سليمان. فهل معنى ذلك أن سليمان كان معصومًا من الخطأ، أو كان أقدس من داود أبيه؟ بالطبع لا يقدر أحد أن يقول هذا.
    لقد كانت مشيئة الله أن يبني له بيتًا أعظم من هذا الذي بناه سليمان الملك بالحجارة المنحوتة وخشب الأرز والمُزين بالذهب، بيتًا من حجارة حيّة، أي: أناس قد كَرَّسوا قلوبهم لسكنى الله فيهم، ومُلكِه عليهم، كقوله: "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ ­كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ­ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1بط 2: 5).
    وأيضًا قوله: "طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ" (عب ١٠: ٢٠، ٢١).
    3. الله هو الذي يبني...
    لقد أخبر ناثان النبي داود الملك أن الله هو الذي بنى لداود بيته، وهو الذي جعله ملكًا، بعد أن كان راعيًا بسيطًا، كقوله: "وَالآنَ فَهكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْمَرْبَضِ مِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ" (2صم ٧: ٨).
    إن الله هو باني الكل، كقول الوحي الإلهي: "فَإِنَّ هذَا قَدْ حُسِبَ أَهْلًا لِمَجْدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُوسَى، بِمِقْدَارِ مَا لِبَانِي الْبَيْتِ مِنْ كَرَامَةٍ أَكْثَرَ مِنَ الْبَيْتِ. لأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَبْنِيهِ إِنْسَانٌ مَا، وَلكِنَّ بَانِيَ الْكُلِّ هُوَ اللهُ... وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ الرَّجَاءِ وَافْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ" (عب ٣: ٣- ٦).
    4. البيت يُبْنَى بعد انتهاء أيام داود، وفي مُلك ابنه.
    كشف ناثان النبي عن البيت، الذي سيبنيه الله لداود، بقوله: "مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ... وَيَأْمَنُ بَيْتُكَ وَمَمْلَكَتُكَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ. كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ" (2صم ٧: ١٢-١٦).

    ولكن هل بنى سليمان بيتًا، ومملكة لا تزول إلى الأبد؟ بالطبع لا، فقد انقسمت المملكة بعد وفاته مباشرة. ثم أتى البابليون، وتسلطوا على مملكة يهوذا، وسبوا النسل الملكي.
    5. مملكة ابن داود (بيت الله الروحي) تدوم إلى الأبد.
    البيت الموعود هو مملكة عظيمة سيبنيها ابن داود الخارج من صلبه. لقد تمت النبوة في الرب يسوع ابن داود، الذي أسس مملكةً لن تزول، كقوله: "كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ" (دا ٧: ١٣، ١٤).

    6. داود الملك غير مؤهل لبناء البيت لاسم الله.
    شروط باني البيت..
    لقد حدد الله على فم ناثان مواصفات معينة لمن سيبني بيت الله، كقوله: "هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ، وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ، لأَنَّ اسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ. فَأَجْعَلُ سَلاَمًا وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَأَنَا لَهُ أَبًا وَأُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ" (1أخ ٢٢: 9-١٠). فيما يلي نذكر شروط باني البيت:
    1. صاحب سلام، كقول إشعياء النبي: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ" (إش9: 6).
    2. صاحب راحة: تمت هذه النبوة في الرب يسوع المسيح له المجد واهب السلام، كقوله: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ" (يو14: 27).
    3. أريحه من كل أعدائه، أي أنه يغلب أعداءه فيخضعون له، كما قيل عن الرب يسوع: "وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ" (أف1: 22).
    4. اسمه سليمان، لأن السلام والسكينة في أيامه، كشهادة الكتاب عن المسيح الرب: "لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ" (أف2: 14).
    5. ابن الله: "إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ" (مز ٢: ٧، ٨). لم تنطبق هذه الصفة على سليمان ابن داود النبي، لكنها تنطبق بالأخص على الرب يسوع المولود من الله الآب قبل الدهور، والذي قال له الآب: "... أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا" (عب1: 5).
    6. سليمان الملك رمز لابن الله الرب يسوع المسيح.
    لقد شابه سليمان ابن داود باني البيت الرب يسوع، الذي بنى بيت الله في صفات كثيرة فهو ابن داود واسمه سليمان، أي يحمل اسمه معنى السلام، وقد أراحه الله من أعدائه المحيطين به، فاشتهرت أيامه بالسلام والسكينة.
    7. نهاية وبداية جديدة أبدية.
    حكم داود شعبه بناموس وشريعة موسى، التي تحكم بموت كل خاطئ لأجل تعديه على الوصية الإلهية، كقوله: "لأَنَّ النَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَبًا، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضًا تَعَدٍّ" (رو ٤: ١٥)
    لقد سفك داود دماءً كثيرة في حروبه مع الأعداء والظالمين، وهذا يحسب له كملك، وقاضي عادل، كقول الكتاب: "عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي. السَّالِكُ طَرِيقًا كَامِلًا هُوَ يَخْدِمُنِي. لاَ يَسْكُنُ وَسَطَ بَيْتِي عَامِلُ غِشٍّ. الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَذِبِ لاَ يَثْبُتُ أَمَامَ عَيْنَيَّ. بَاكِرًا أُبِيدُ جَمِيعَ أَشْرَارِ الأَرْضِ، لأَقْطَعَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّبِّ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ" (مز ١٠١: ٦-٨).
    ولكن باني، البيت الذي يثبت كرسي داود، وانتظرته الأجيال المتعاقبة جاء بعهد جديد فيه الرحمة والغفران بدمه، ليرفع قصاص خطايا البشر. لقد نالت فيه البشرية النعمة والحق، وهو الذي تمت فيه نبوة إشعياء النبي بنوال مراحم داود الصادقة، كقوله: "أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعًا لِلشُّعُوبِ، رَئِيسًا وَمُوصِيًا لِلشُّعُوبِ. هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا، وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ، مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ»" (إش ٥٥: ٣-٥).
    8. خدمة المصالحة أولًا.
    لم يكن ممكنًا أن يبني الله له بيتًا روحيًا لسكناه، وحلوله وسط البشر، قبلما يتم الصلح والمصالحة، وذلك بمجيء ملك السلام ابن داود، الذي صالح بدمه السمائيين مع الأرضيين، كقوله: "لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلًا بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلًا الْعَدَاوَةَ بِهِ" (أف ٢: ١٤-١٦).
    ثانيًا: حروب داود
    حروب داود لم تكن بغرض الاعتداء على الغير أو الشر.
    سفك داود النبي دماءً كثيرة أثناء حروبه مع أعدائه، ولكن هذه الحروب لم تكن بغرض شرير، لأنها كانت قضاءً إلهيًا، أو دفاعًا عن النفس، وتمت برضا الله، وقد سجل الكتاب المقدس ما يشهد لذلك كقوله: "لأَنِّي بِكَ اقْتَحَمْتُ جَيْشًا. بِإِلهِي تَسَوَّرْتُ أَسْوَارًا" (2صم ٢٢: ٣٠). "وَتُعْطِينِي أَقْفِيَةَ أَعْدَائِي وَمُبْغِضِيَّ فَأُفْنِيهِمْ" (2صم ٢٢: ٤١).
    موافقة الله على هذه الحروب.
    لقد اعتاد داود أن يسأل الله قبل دخوله الحرب ليعرف مشيئته، كقوله: "فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ قَائِلًا: «أَأَذْهَبُ وَأَضْرِبُ هؤُلاَءِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟» فَقَالَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ: «اذْهَبْ وَاضْرِبِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَخَلِّصْ قَعِيلَةَ»... فَعَادَ أَيْضًا دَاوُدُ وَسَأَلَ مِنَ الرَّبِّ، فَأَجَابَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «قُمِ انْزِلْ إِلَى قَعِيلَةَ، فَإِنِّي أَدْفَعُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيَدِكَ»" (1صم ٢٣: ٢، ٤).
    لم يسفك داود الدماء البريئة في حروبه.
    لقد أخطأ داود بسفك دم أوريا الحثي ظلمًا، لكن الله نقل عنه هذه الخطية، وغفرها له، كما غفر للكثيرين خطاياهم، أمثال شاول الطرسوسي، بل لا يزال إلى الآن ينقل، ويغفر خطايا الكثيرين، ولكن الله سجل عدم رضاه بما فعله داود، ووبخه وعاقبه علانية، كقوله: "لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ. وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً" (2صم ١٢: ٩، ١٠).
    لم يذكر الوحي الإلهي أن داود سفك دماءً بريئة أثناء حروبه، ولم يوبخ الله داود بسبب أي حرب من حروبه مع أعدائه، كما فعل مع شاول بسبب قتله الجدعونيين، حين وبخ فعله، بقوله: "وَكَانَ جُوعٌ فِي أَيَّامِ دَاوُدَ ثَلاَثَ سِنِينَ، سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، فَطَلَبَ دَاوُدُ وَجْهَ الرَّبِّ. فَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَ لأَجْلِ شَاوُلَ وَلأَجْلِ بَيْتِ الدِّمَاءِ، لأَنَّهُ قَتَلَ الْجِبْعُونِيِّينَ»" (2صم ٢١: ١).


    الاستنتاج
    لم يمنع الله داود النبي والملك من بناء الهيكل، لأنه أخطأ لقيامه بحروب كثيرة، لكنه منعه، لأن البيت كان يرمز لكنيسة الله، التي أسسها الرب يسوع المسيح بصليبه وموته وقيامته، وبعمل روحه القدوس.
    ولقد سمح الله لسليمان ببناء الهيكل، الذي يرمز للكنيسة، ليس لبره، ولكن لأنه كان يصلح أن يكون مثالًا ورمزًا لباني بيت الله الرب يسوع المسيح في أمور عديدة، ولكن داود النبي لم يكن يصلح أن يكون رمزًا لباني الهيكل، ولهذا لم يوافقه الله على بناء هيكلًا له.