"لاتغرمن الأشرار، ولاتحسد عمال الإثم، فإنهم مثل الحشيش يقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون...
بعد قليل لايكون الشرير.. تطلع في مكانه فلا يكون.. أما الودعاء فيرثون الأرض، ويتلذذون في كثرة السلام"(مز 37)

   رأى القديس يوحنا الحبيب سقوط مدينة الشر بابل فكتب يصف هذا السقوط المروع على فم ملاك يصرخ مبشراً قائلاً:"سقطت! سقطت بابل العظيمة! وصارت مسكناً لشياطين، محرساً لكل روح نجس، ومحرساً لكل طائر نجس وممقوت، لأنه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم، وملوك الأرض استغنوا من وفرة نعيمها...."

   ترمز بابل في الكتاب المقدس لمدينة مملكة الشر، ويصفها الرائي بالعظمة لأجل ما اشتهرت به من مظاهر غنى فإنٍ يلفت أنظار أهل العالم وأوضح معلمنا يوحنا الرسول أن السبب في سقوطها هو خطاياها الكثيرة.. ثم أظهر دهشة وتعجب أهل العالم لسقوطها وخرابها لاعتقادهم الباطل في دوام ملك وقوة بابل... لقد انخدعوا بما بلغته هذه المدينة من غنى مادي و مجد أرضي ولم يتوقع أحد منهم خراب مدينة بكل هذا الغنى وهذه القوة.. والحقيقة التي يؤكدها تاريخ الشعوب والأفراد أن الخراب والسقوط ثمرة طبيعية للشر، وأن الله قد يمهل الشرير ليتوب لكنه لن يتركه يفعل ما يشاء على الدوام. وهل يوافق عدل الله أن يترك الشرير يسبب إيذاء للأبرار والصديقين؟!

    إن الإيمان بدينونة الله وانتقامه من الأشرار عقيدة هامة لتحقيق عدالة الله ولردع كل مستهتر وإظهار ضعف الأشرار أمام سلطان الله.. والإيمان بحتمية الدينونة أيضاً يفرح الأبرار الذين ينتظرون بشوق نصرة الحق، لأن اليوم الذي فيه يباد الشر هو بداية الأفراح والأمجاد التي لانهاية لها.. في ذلك اليوم سيأتي عريس نفوسنا الرب يسوع على السحاب -كوعده الصادق - في مجده ومجد أبيه وستخضع له الخليقة كلها ليعم السلام والفرح والتهليل الأبدي.

   لقد سبق الله وأنبأ على فم أنبيائه ورسله القديسين عن حقيقة سقوط الأشرار مهما بلغوا من غني أو قوة مادية؛ ولكن غير المؤمنين في جهل لا يدركون هذا، مثلما لم يصدق الأشرار تحذير نوح لهم بمجيء الطوفان المهلك حتى فاجأهم الهلاك؛ فغرقوا ولم يستطع أحد منهم أن يفلت من قضاء الله وصارت قصة هلاكهم عبرة ومثالاً لحتمية انتهاء قوة وسطوة الشر والأشرار.

أخي.. أختي:

   لا تحسد الأشرار.. ولا يغرك غناهم.. ولا تخف من سطوتهم.. ولا يهمك قوتهم، وإياك والعيش معهم في مدينتهم بابل مهما بلغت عظمتها؛ بل أصغ لصوت الرب يدوي في أذني كل عاقل قائلاً:"اخرجوا منها يا شعبي، لئلا تأخذوا من ضرباتها. لأن خطاياها لحقت بالسماء، وتذكر الله آثامها".