أولاً:

لماذا الوصايا والشريعة؟:

  • الإنسان هو الوحيد من بين خليقة الله المادية الذي له حرية إرادة، وبالتالي فهو يخطئ كلما أراد، وبالتالي يسبب إيذاءً لنفسه ولغيره نتيجة حريته، ولهذا كان لابد لله الخالق الصالح ألا يتركه دون أن يضع له القوانين المنظمة أو الشرائع والوصايا، التي إذا اتبعها تجنب هو ومن حوله الضرر.... وهذا شبيه بما يفعله صانع أو مخترع أي جهاز حديث، حين يضع مع جهازه كتيباً فيه إرشادات التشغيل الآمن؛ تفادياً للاستعمال الخاطئ الذي قد يسبب تعطلاً أو دماراً لهذا الجهاز القيم.

إذاً وصايا الله وشريعته هي نعمة من الله، كقول القداس الغريغوري: "أعطيتني الناموس عونا"، وهي تختص بسلوك الإنسان وتصرفاته، وقد وضعها الله الخالق الصانع في صورة عهود ومواثيق ووصايا وهي لا تلغي الإرادة بل من يفعلها يحيا بها... من هذا المنظور ننظر إلى وصايا الله على أنها خير.

ثانياً:

هل أحكام الشريعة قاسية؟:

قد ينظر البعض لأحكام القضاء في الشريعة متسائلاً لماذا القتل؟ ويمكننا أن نفسر ذلك بما يلي:

  1. أحكام الشريعة بالقتل مثل أي أحكام قضائية لضبط المجتمع ومحاربة الجريمة؛ فقد كان القضاء في ذلك الوقت مسئولية الكهنة وشيوخ الشعب لأن الشعب لم يكن له حكومة مدنية، وعندما أصبح لشعب اليهود مملكة، قام القضاة بهذه المهمة... ومن منا الآن يعترض على أحكام القضاء أو يعترض على عقوبة الإعدام بدعوى القسوة على مجرم نفذ جريمة قتل، أو اغتصاب، أو خيانة، أو... أو... ألا نستحسن القضاء ونشيد به لأنه نفذ العدالة وردع المجرمين؟! فلماذا الاعتراض على الشريعة، وعلى الله القدوس العادل؟! هل يستحق الله منا هذا لأنه يضبط الكون؟!
  2. الحكم بالقتل كان يقع على من يعتدي على غيره سواء على نفس أخيه بالقتل، أو بسرقة نفس، أو بتقديم ذبيحة بشرية للأصنام (ابنه)، أو بالزنا أو بتحدي الله ذاته بكسر وصية السبت... وبالطبع الحكم على المذنب بالقتل كان إعلاناً عن بشاعة هذه الخطايا وعدم رضى الله عمّن يفعلها، وسكوت الله عن ذلك الشر كان معناه عدم قداسة الله وبالطبع حاشا لله.
  3. القسوة الحقيقية أن يترك الله الكون بدون شرائع تردع القتلة والزناة والخونة، فيزداد الشر ويعم القتل والزنا والعنف والسرقة والاغتصاب ... (حاشا لله) لأنه في تلك الحالة سيكون الله هو الجاني، كما أن من يعطي لمريض نفسيٍّ اشتهر بالعنف سكيناً ويتركه، ألا يحسب تزويده له بالسكين نوع من الجريمة التي تحسب على من زوّده بالسكين... إذاً الوصية والشريعة هي شهادة وإعلان عن بر الله وقداسته.
  4. الحقيقة التي يتغافلها الكثيرون أنه لا حق للإنسان في كسر قوانين أو شرائع أي دولة، فما بالنا كسر الناس لوصايا الله وشريعته، ثم التذمر من عقوبة جرائمهم؟! ومن يمكنه أن يتذمر عندما يقع عليه جزاء جريمة مُثبتة عليه؟! فهو المسئول عمَّا وصل إليه من نتائج خطيرة لجرائمه.. وهل من المنطقي عندما يُلقي أحد بنفسه من الدور الثلاثين أن يأتي لائم ليلقي لوماً على الله لأنه وضع قانون الجاذبية الأرضية الذي يجعلنا نمشي على الأرض في سهولة، ولا يلقي لوماً على ذلك الإنسان الذي ألقى بنفسه من الدور الثلاثين ...عجبي؟!
  5. علّم الرب شعبه إسرائيل أنه قد وضع أمامهم وصاياه التي هي للحياة لمن يطيع، أو للموت إن رفضوها، وهم عليهم الاختيار حسبما اختاروا، وهذه بعض الشواهد التي تشهد بذلك:
  • "اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ" (تث٣٠ :١٥).
  • فإن انصرف قلبك ولم تسمع بل غويت وسجدت لآلهة أخرى وعبدتها. فإني أنبئكم اليوم أنكم لا محالة تهلكون، لا تطيل الأيام علي الأرض التي أنت عابر الأردن لكي تدخلها وتمتلكها" (تث٣٠: ١٧-١٨).
  • "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تث٣٠: ١٩)
  1. إذاً هو قانون وشريعة وعهد للخالق ولا حق لمن يكسر العهد أو يخالف تعليمات الخالق والصانع أن يتذمر إن أصابه مكروه نتيجة مخالفته، ومن منا يقرأ تحذير شركة الصنع لجهاز عظيم ويقرأ: "لا يستعمل غير تيار كهربائي قيمته .... وعند استعمال تيار بقيمة أكبر سيحترق الجهاز". فهل يغامر ويخالف ثم يلوم الصانع لأنه لم يصنعه يحتمل تياراً ذي قيمة أكبر أو فولت أكبر؟! وعجبي لأناس تحترم صانع الأشياء المادية، وحقوق ملكيته الفكرية، ولا تهاب صانع السماوات والأرض بل الخليقة المادية والروحية!!
  2. واجب الشكر لله الخالق على وصاياه وشرائعه المعطية الحياة:
    يحرص كل منا على الحصول على إرشادات التشغيل وتحذيرات الصانع لأي منتج من الأجهزة القيّمة ذات التكنولوجية الحديثة، ويشعر بالرضى ويقدم شكره لشركة الصنع ممتدحاً وضوح إرشادات التشغيل وكيفية صيانة جهازه القيّم، وفي حالة عدم وضوح الإرشادات وتحذيرات الأمان أو ندرتها يعتبر ذلك عيباً في الصنع؛ لذلك كان من اللائق والواجب أن تتقدم الخليقة العاقلة لله المبدع بالشكر على وصاياه، بدلاً من التذمر من الضرر الواقع عليها عند مخالفة وصاياه وأوامره. لقد أكّد المرنم واجب الشكر لله الخالق على وصاياه وشريعته الإلهية عندما ترنم لله واصفاً إمتياز أعطاء شعبه شريعته بقوله: "يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا. يَهُبُّ بِرِيحِهِ فَتَسِيلُ الْمِيَاهُ. يُخْبِرُ يَعْقُوبَ بِكَلِمَتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ بِفَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ" (مز١٤٧: 18، 19).