العهد الجديد

  • لماذا اختار الله وسطاء بينه وبين البشرية (المقصود الكهنة)؟ ولماذا لم يكن الاتصال بين الله والناس مباشراً؟

    يمكننا تقسيم السؤال إلى ثلاثة أسئلة:

    1. هل هناك وسطاء بين الله والناس؟ وما هي علاقة هذا بالكهنوت؟
    2. هل كهنة العهد الجديد وسطاء بين الله والناس؟
    3. لماذا تستخدم الكنيسة ممثلة في رئاستها الكهنوتية سلطاناً فتحل وتربط أو تحرم أحياناً؟ فهل هذا يعتبر تحكماً في حرية الناس؟ ولماذا لاينصحون الناس ويتركونهم لحريتهم؟

    أولاً:

    الوساطة بين الله والناس وعلاقة هذا بالكهنوت:

    • احتاج البشر لوسيط يقف بين الله وبينهم لضعفهم وشرهم، لذلك خافوا لئلا يموتوا بالوقوف في حضرة الله كليّ القداسة لأنهم ممتلئون شروراً، وهذا ما حدث أيام موسى النبي عندما قال الشعب: "وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَرَوْنَ الرُّعُودَ وَالْبُرُوقَ وَصَوْتَ الْبُوقِ، وَالْجَبَلَ يُدَخِّنُ. وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ ارْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، وَقَالُوا لِمُوسَى: «تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ» "(خر٢٠: ١٨- ١٩). مثال ذلك إنسان اقترف جريمة قتل، وتلطخت يداه بالدماء وآثار الجريمة على ملابسه كيف يذهب لمقابلة قاضٍ عادل؟! ألا يتجنب ذلك المجرم الالتقاء بهذا القاضي، وهل يتجرأ أن يذهب ليطلب منه خدمة شخصية؟!
    • هيبة الله وجلاله وقداسته ترعب البشر مثلي ومثلك الذين يعرفون ضعفهم، فمن منا يعرف عدم إتقانه لعمله ولكن رئيسه في العمل يأتي إليه طالباً منه أن يذهب لمكتب رئيس الوزراء ومعه ملفات عمله ليعرضها عليه، ألا يرتعب ويهاب ذلك الموقف؟! ويحاول جاهداً أن يقنع رئيسه لكي يرسل أحداً أكفأ منه في هذا العمل، لئلا يكتشف رئيس الوزراء عجزه فيجازيه شر جزاء، لقد أدرك أيوب الصديق هيبة وجلال الله، وأكد على ضرورة وجود وسيط بينه وبين الله قائلاً: "لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانًا مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ، فَنَأْتِي جَمِيعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا" (أي٩: ٣٢، ٣٣).
    • وهكذا ظل البشر ينتظرون هذا الوسيط الذي يمكنه أن يقف بين الله والناس مصالحاً... ولكن ما هي شروط هذا الوسيط المصالح؟

    شروط الوسيط:

    1. لابد أن يكون قدوساً بلا خطية كالله.. وهذا ينطبق على واحد فقط وهو الرب يسوع المسيح الذي قال الكتاب المقدس عنه: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (١تي٢: ٥) وأيضا: "لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ" (عب٧: ٢٦).
    2. لابد أن يكون ابن بشر لكي ينوب عنا كقول الكتاب: "لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَاِ للهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا" (عب1:5)... فكل ما فعله الرب يسوع من قداسة ونصرة وصلاة لله وكل استجابة لكل طلبة طلبها من الآب حسبت لصالحنا، لأنه ابن البشر وهو مأخوذ من الناس بحسب الآية السابقة، ولذلك لا يرضى الله عن البشر، ولا يقبلهم إلا من خلال ربنا يسوع المسيح الذي قال الآب عنه: "هذا هو ابني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت3: 17).
    3. لابد أن يقدم ذبيحة لانهائية في قيمتها لكي تكفي للتكفير عن مليارات البشر من آدم وإلى آخر الدهور، وعن جميع أنواع خطايا البشر الموجهة لشخص الله اللانهائي والقدوس كقول الكتاب: "لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا....  فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً.... وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ" (عب١٠: ٤- ١٢).
    4. لابد أن يكون كاهناً عظيماً يقدم تقدمة عظيمة يدخل بها إلى السموات ليقدمها أمام عرش النعمة، فينال شعبه من خلاله الرضى، وبالطبع لابد أيضاً أن تكون ذبيحته طاهرة وكافية لمحو خطايا العالم كله، وهذه فكرة الكهنوت المعروفة عند جميع البشر، والتي تُبنى على أن يقدم الكاهن  المقبول من الله تقدمة مقبولة ينال بها رضى الإله... وقد قدم الرب يسوع أعظم كاهن أعظم تقدمة أو ذبيحة وهي ذبيحة نفسه: "لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهذَا أَيْضًا شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ... وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ وَسِيطٌ أَيْضًا لِعَهْدٍ أَعْظَمَ، قَدْ تَثَبَّتَ عَلَى مَوَاعِيدَ أَفْضَلَ" (عب8 :3-6).
  • لماذا تتميز شرائع العهد القديم بالأحكام القاسية مثل أحكام القتـــل بالرجــــم - مثلاً - بينما العهد الجديد يتميز بحنان الله وتسامحه مع الخطاة؟.

    أولاً:

    لماذا الوصايا والشريعة؟:

    • الإنسان هو الوحيد من بين خليقة الله المادية الذي له حرية إرادة، وبالتالي فهو يخطئ كلما أراد، وبالتالي يسبب إيذاءً لنفسه ولغيره نتيجة حريته، ولهذا كان لابد لله الخالق الصالح ألا يتركه دون أن يضع له القوانين المنظمة أو الشرائع والوصايا، التي إذا اتبعها تجنب هو ومن حوله الضرر.... وهذا شبيه بما يفعله صانع أو مخترع أي جهاز حديث، حين يضع مع جهازه كتيباً فيه إرشادات التشغيل الآمن؛ تفادياً للاستعمال الخاطئ الذي قد يسبب تعطلاً أو دماراً لهذا الجهاز القيم.

    إذاً وصايا الله وشريعته هي نعمة من الله، كقول القداس الغريغوري: "أعطيتني الناموس عونا"، وهي تختص بسلوك الإنسان وتصرفاته، وقد وضعها الله الخالق الصانع في صورة عهود ومواثيق ووصايا وهي لا تلغي الإرادة بل من يفعلها يحيا بها... من هذا المنظور ننظر إلى وصايا الله على أنها خير.

    ثانياً:

    هل أحكام الشريعة قاسية؟:

    قد ينظر البعض لأحكام القضاء في الشريعة متسائلاً لماذا القتل؟ ويمكننا أن نفسر ذلك بما يلي:

    1. أحكام الشريعة بالقتل مثل أي أحكام قضائية لضبط المجتمع ومحاربة الجريمة؛ فقد كان القضاء في ذلك الوقت مسئولية الكهنة وشيوخ الشعب لأن الشعب لم يكن له حكومة مدنية، وعندما أصبح لشعب اليهود مملكة، قام القضاة بهذه المهمة... ومن منا الآن يعترض على أحكام القضاء أو يعترض على عقوبة الإعدام بدعوى القسوة على مجرم نفذ جريمة قتل، أو اغتصاب، أو خيانة، أو... أو... ألا نستحسن القضاء ونشيد به لأنه نفذ العدالة وردع المجرمين؟! فلماذا الاعتراض على الشريعة، وعلى الله القدوس العادل؟! هل يستحق الله منا هذا لأنه يضبط الكون؟!
    2. الحكم بالقتل كان يقع على من يعتدي على غيره سواء على نفس أخيه بالقتل، أو بسرقة نفس، أو بتقديم ذبيحة بشرية للأصنام (ابنه)، أو بالزنا أو بتحدي الله ذاته بكسر وصية السبت... وبالطبع الحكم على المذنب بالقتل كان إعلاناً عن بشاعة هذه الخطايا وعدم رضى الله عمّن يفعلها، وسكوت الله عن ذلك الشر كان معناه عدم قداسة الله وبالطبع حاشا لله.
    3. القسوة الحقيقية أن يترك الله الكون بدون شرائع تردع القتلة والزناة والخونة، فيزداد الشر ويعم القتل والزنا والعنف والسرقة والاغتصاب... (حاشا لله) لأنه في تلك الحالة سيكون الله هو الجاني، كما أن من يعطي لمريض نفسيٍّ اشتهر بالعنف سكيناً ويتركه، ألا يحسب تزويده له بالسكين نوع من الجريمة التي تحسب على من زوّده بالسكين... إذاً الوصية والشريعة هي شهادة وإعلان عن بر الله وقداسته.
    4. الحقيقة التي يتغافلها الكثيرون أنه لا حق للإنسان في كسر قوانين أو شرائع أي دولة، فما بالنا كسر الناس لوصايا الله وشريعته، ثم التذمر من عقوبة جرائمهم؟! ومن يمكنه أن يتذمر عندما يقع عليه جزاء جريمة مُثبتة عليه؟! فهو المسئول عمَّا وصل إليه من نتائج خطيرة لجرائمه.. وهل من المنطقي عندما يُلقي أحد بنفسه من الدور الثلاثين أن يأتي لائم ليلقي لوماً على الله لأنه وضع قانون الجاذبية الأرضية الذي يجعلنا نمشي على الأرض في سهولة، ولا يلقي لوماً على ذلك الإنسان الذي ألقى بنفسه من الدور الثلاثين...عجبي؟!
    5. علّم الرب شعبه إسرائيل أنه قد وضع أمامهم وصاياه التي هي للحياة لمن يطيع، أو للموت إن رفضوها، وهم عليهم الاختيار حسبما اختاروا، وهذه بعض الشواهد التي تشهد بذلك:
    • "اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ" (تث٣٠ :١٥).
    • فإن انصرف قلبك ولم تسمع بل غويت وسجدت لآلهة أخرى وعبدتها. فإني أنبئكم اليوم أنكم لا محالة تهلكون، لا تطيل الأيام علي الأرض التي أنت عابر الأردن لكي تدخلها وتمتلكها" (تث٣٠: ١٧-١٨).
    • "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تث٣٠: ١٩)
    1. إذاً هو قانون وشريعة وعهد للخالق ولا حق لمن يكسر العهد أو يخالف تعليمات الخالق والصانع أن يتذمر إن أصابه مكروه نتيجة مخالفته، ومن منا يقرأ تحذير شركة الصنع لجهاز عظيم ويقرأ: "لا يستعمل غير تيار كهربائي قيمته.... وعند استعمال تيار بقيمة أكبر سيحترق الجهاز". فهل يغامر ويخالف ثم يلوم الصانع لأنه لم يصنعه يحتمل تياراً ذي قيمة أكبر أو فولت أكبر؟! وعجبي لأناس تحترم صانع الأشياء المادية، وحقوق ملكيته الفكرية، ولا تهاب صانع السماوات والأرض بل الخليقة المادية والروحية!!
    2. واجب الشكر لله الخالق على وصاياه وشرائعه المعطية الحياة:
      يحرص كل منا على الحصول على إرشادات التشغيل وتحذيرات الصانع لأي منتج من الأجهزة القيّمة ذات التكنولوجية الحديثة، ويشعر بالرضى ويقدم شكره لشركة الصنع ممتدحاً وضوح إرشادات التشغيل وكيفية صيانة جهازه القيّم، وفي حالة عدم وضوح الإرشادات وتحذيرات الأمان أو ندرتها يعتبر ذلك عيباً في الصنع؛ لذلك كان من اللائق والواجب أن تتقدم الخليقة العاقلة لله المبدع بالشكر على وصاياه، بدلاً من التذمر من الضرر الواقع عليها عند مخالفة وصاياه وأوامره. لقد أكّد المرنم واجب الشكر لله الخالق على وصاياه وشريعته الإلهية عندما ترنم لله واصفاً إمتياز أعطاء شعبه شريعته بقوله: "يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا. يَهُبُّ بِرِيحِهِ فَتَسِيلُ الْمِيَاهُ. يُخْبِرُ يَعْقُوبَ بِكَلِمَتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ بِفَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ" (مز١٤٧: 18، 19).
  • هل توجد نبوات في العهد الجديد، أو القديم تقول أن الذبائح من آدم إلى المسيح ترمز للمسيح، إلا عند بولس الرسول الذي لم ير المسيح أو عاصره؟ وهل علم بولس الرسول بأسرار لم يعلمها غيره؟

    لم يعلم بولس الرسول أسراراً لم يعرفها غيره فالإنجيل بعهديه يشهد بنفس هذه الحقائق لذلك دعنا نقسم السؤال إلى سؤالين:
    الأول:
    عن نبوات أو شهادات أخرى غير ما ذكره معلمنا بولس الرسول تؤكد أن الذبائح كانت ترمز وتشير وتشرح عن فداء ربنا يسوع المسيح.
    شهادات العهد القديم:
    • يتنبأ إشعياء النبي قائلاً: "مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَت ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ... لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى12الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (أش٥٣: ١- 7).
    • أكد فيلبس الرسول أن هذه النبوة تنطبق على الرب يسوع عندما سأله الخصي الحبشي وزير كنداكة في سفر الأعمال عَمَّن هو المقصود بهذه النبوة فأجاب قائلاً: "فَأَجَابَ الْخَصِيُّ فِيلُبُّسَ وَقَالَ: "أَطْلُبُ إِلَيْكَ: عَنْ مَنْ يَقُولُ النَّبِيُّ هذَا؟ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ عَنْ وَاحِدٍ آخَرَ؟" فَفَتَحَ فِيلُبُّسُ فَاهُ وابْتَدَأَ مِنْ هذَا الْكِتَابِ فَبَشِّرَهُ بِيَسُوعَ" (أع ٨ : ٣٤ – ٣٥).
    وواضح للقارئالمتأني أن إشعياء يتكلم في هذه النبوة عن إنسان لا عن شاة أي نعجة أو حمل من الأغنام؛ لأنه يقول كشاة وليس شاة فكل الوصف ينطبق على إنسان، وطبعاً هذا الشخص حمل خطايانا خطايا البشر جمعياً، فمن يكون هو إذاً غير شخص الرب يسوع.
    شهادات العهد الجديد:
    • كشف يوحنا المعمدان عن هذا الشخص الذي سيقدم نفسه عن البشر جميعاً ذبيحة فأعلن صراحةً أنه المسيح قائلاً: "وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يو29:1).
    • رآه يوحنا الرسول في سفر الرؤيا في منظر خروف قائم كأنه مذبوح ليؤكد لنا الوحي نفس المعنى قائلا: "وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ. فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ مِنْ يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ. وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ. وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِق أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ،" (رؤ ٥: ٦-٩). طبعًا الآيات واضحة والتشبيه بذبائح العهد القديم يطبقه سفر الرؤيا على شخص الرب يسوع.
    • من قول الرب يسوع عن نفسه أنه الذبيحة التي سيتم بها الفداء نذكر قول له المجد: "كَمَا أَنَّ ابن الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (مت ٢٠: ٢٨).
    • وأيضاً من رسائل معلمنا بطرس الرسول قوله عن الرب يسوع ودمه المسفوك عنا: "بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ" (١بط: ١: ١٩ -٢٠)وأيضا قوله: "الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ" (١بط24:2).. أظن أنه توجد شهادات كثيرة أخرى لكن نكتفي بهذه الشهادات الآن.
    أما الجزء الثاني من السؤال فيخص معلمنا بولس الرسول:
    • معلمنا بولس الرسول كتب لنا ما أوضحه له الوحي المقدس عن موت الرب يسوع وعلاقته بالذبائح وشرح ذلك بدقة وموضوعية، فالذي يفهم المعاني التي كانت تشير إليها الذبائح في العهد القديم،
    (وهذا ليس صعباً وخصوصاً لمعلم يهودي كبولس الرسول) يرى أنها حدثت بالضبط مع الرب يسوع المسيح، ولا يمكنه غير أن يؤكد أن الوحي الإلهي وضعها بدقة لتكشف عن فداء الرب يسوع.
    • يخبرنا معلمنا بولس الرسول العظيم عن الرؤى التي رأى فيها الرب يسوع أكثر من مرة، وأعلن له الرب في هذه الرؤى الكثير من الأسرار.
  • هل كهنة العهد الجديد وسطاء بين الله والناس؟

    لم تنته قوة تأثير ذبيحة المسيح التي قدمها كرئيس كهنة على الصليب؛ لأنها ذبيحة ابن الله الأزلي، لذلك مازالت هذه الذبيحة تقدم لله، ومازالت فعالة وقد وصفت هذه الذبيحة بأنها ممتدة ومستمدة .

    • ممتدة في تأثيرها منذ أيام أبينا آدم وحتى نهاية الأزمنة؛ لأن دم مسيحنا القدوس أزلي قادر على غفران خطايا البشرية كلها من آدم وإلى آخر الدهور.
    • مستمدة في تأثيرها فذبيحة العشاء السري (التناول) التي يقدمها كهنة الكنيسة وكل أسرار الكنيسة، تستمد قوتها من قوة ذبيحة المسيح، الذي ذبح على الصليب لأجلنا، وجسد الرب الذي نأكله في القداس هو نفس الجسد المصلوب على عود الصليب، وما نشربه هو دم المسيح المسفوك على الصليب.
    • إذاً نحن كهنة العهد الجديد نختفي وراء كاهننا الأعظم أو رئيس كهنتنا كخدام ووكلاء سرائر الله كقول معلمنا بولس الرسول: "هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ" (١كو١:٤).. ونقدم من خلاله نفس الذبيحة التي قدمها الرب يسوع على الصليب لننال بها غفراناً لحساب المؤمنين ورضى الله .. وهذه بعض من أعمال الآباء كهنة العهد الجديد:
    • أهم وظيفة للكهنوت المسيحي هي تقديم الذبيحة التي ينال بها الكاهن رضى الله لحساب شعبه. وبالطبع لحساب نفسه.. وهذا ما ذكره القديس بولس الرسول عن ذلك قائلاً: "لَنَا «مَذْبَحٌ» لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ" (عب١٣: ١٠).. والمذبح المذكور هنا في هذه الآية هو مذبح كنيسة العهد الجديد الذي نقدم عليه جسد ودم الرب يسوع، والمسكن هو الهيكل اليهودي أو خيمة الاجتماع، ولا سلطان لكهنة اليهود الذين يخدمونه أن يأكلوا من ذبيحة المسيح أي التناول من الأسرار المقدسة.
    • يقدم كهنة العهد الجديد ذبيحة التسبيح والتمجيد لله الذي نقول له في القداس الإلهي: مستحق وعادل.... مستحق وعادل... مستحق وعادل، أنه يليق بمسيحنا القدوس الذي ذبح لأجلنا أن يتكرس له كهنة للتسبيح والتمجيد. ونحن في هذا نقتدي بالأربعة والعشرين قسيساً الذين رآهم القديس يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا وقال عنهم: "يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ الْعَرْشِ قَائِلِينَ: «أَنْتَ مُسْتَحِق، أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ" (رؤ٤: ١٠-١١).
    • نحن نقدم لله ككهنة نفوس مقدسة مباركة وهي نفوس الذين يخلصون بواسطة خدمتنا، كقول معلمنا بولس الرسول: "حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (رو١٥: ١٦).
    • الكهنة وكلاء على الأسرار المقدسة التي تركها الرب يسوع لأجل خلاص البشرية مثل التناول والمعمودية و... و... فإن كانت هذه الأسرار غاية في القداسة ألا تحتاج لوكلاء أمناء عليها يعلّمون الناس قيمتها؟ وكيف يأخذونها باحتراس؟ لقد سلم الرب لتلاميذه وليس لعامة الناس هذه الأسرار قائلاً لهم: "فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. إصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي" (١كو24،23:11)، إذاً كهنة العهد الجديد وكلاء استؤمنوا على أسرار الله كقول معلمنا بولس الرسول: "هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ، ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا" (١كو٤: ١-٢).013
    • كهنة العهد الجديد مكرسين ليسعوا كسفراء عن المسيح القدوس، يطلبون من الناس أن يتصالحوا مع الله كقول معلمنا بولس الرسول: "إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ" (٢كو٥: ٢٠).

    الخاتمة:

    إذاً، كهنة العهد الجديد ليسوا وسطاء كالرب يسوع لكنهم يعملون من خلال وسيط ومصالح فريد هو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، وهم كهنة من خلاله وبه يقدمون تقدمته وذبيحته التي قدمها على الصليب، وهم يقدمون له وبه ذبائح التسبيح، ويقدمون له ثمرة خدمتهم نفوساً طاهرة نقية، وهم أيضاً وكلاء أمناء مكرسون لخدمة أسراره المقدسة.