الرَّبُّ يسوع المسيح هو ابن الله الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس، وهو الواحد مع أبيه، والمساوي له في الجوهر مع الروح القدس المحيي، وهو الله الظاهر في الجسد، كما شهد له الكتاب المقدس بكل وضوح، بقوله: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ" (1تي 3: 16).
إن المقصود من هذا السؤال هنا هو إثبات لاهوت الرب يسوع المسيح بدليل واضح من أقوال الرب نفسه، ولهذا سنقوم بالرد على هذا السؤال من خلال العناصر الأربعة التالية:
1. مقدمة سريعة عن إلهنا الواحد مثلث الأقانيم، وعن وضع الأقنوم الثاني الابن بالنسبة لله الواحد مثلث الأقانيم، كما جاء في الكتاب المقدس.
2. أقوال الرَّب يسوع عن الخصائص والصفات اللاهوتية، التي شهَد بها الرَّب عن نفسه، والتي لا تنطبق على أحد سوى الله.
3. المصطلحات الكتابية المعروفة، التي تشهد عن لاهوت الرب يسوع، والمتعارف عليها من اليهود، والتي خصّ الرب نفسه بها.
1. الاعتراف الحسن أهم صفاته الوضوح والدقة.
أولًا: المقدمة
قبل أن نتناول شهادات الرب يسوع المسيح عن ألوهيته لا بد أن يتعرف السائل على السيد المسيح كأحد الأقانيم الثلاثة في الله الواحد، حتى يستطيع السائل فهم المصطلحات اللاهوتية الكتابية، التي تضمنها حديث الرب يسوع المسيح عن نفسه.
الله الواحد المثلث الأقانيم
الله في عقيدة المسيحيين واحد مثلث الأقانيم والكتاب المقدس يشهد بذلك...

وحدانية الله
يؤكد الكتاب المقدس وحدانية الله المثلث الأقانيم، لأن الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس تشترك في وحدانية الجوهر وطبيعة اللاهوت، كما تصلي الكنيسة في مقدمة صلاة باكر، قائلة: "... نسجد للثالوث القدوس بلاهوت واحد وطبيعة واحدة..". يستحيل أن يشترك مع الله سواء في مجده أو طبيعته أو ألوهيته كائن آخر، كقوله: "أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ" (إش ٤٢: ٨).
"مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ اسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَرَ. اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ، وَإِسْرَائِيلُ الَّذِي دَعَوْتُهُ: أَنَا هُوَ. أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ" (إش ٤٨: ١١، ١٢).
وفيما يلي نذكر بعض من الشواهد الدالة على وحدانية الله:
"اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تث ٦: ٤).
"أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا؟ أَلَيْسَ إِلهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟.." (ملا ٢: ١٠).
"فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (مر ١٢: ٢٩).
أقانيم الثالوث القدوس
الأقنوم الأول: الآب
كلمة الآب لغويًا تعني الأصل، وكلمة الآب عند اليهود معروفة تمامًا أنها تعني الله. وهكذا ذكرها الرب يسوع المسيح (أقنوم الابن كلمة الله الحي) ولم يسأله أحدًا من اليهود، الذين سمعوه ينطق بها مرارًا وتكرارًا "مَن هو الآب؟"، لأنهم كانوا يعرفونه.
الأقنوم الثاني: الابن
"اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو١: ١٨). كلمة الابن تعني أنه منتسب لأب، وعندما يأتي هذا الاسم في صيغة المفرد، كما جاء في نبوات العهد القديم لا تعني إنسانًا على الإطلاق.
فقد ذكر سفر الأمثال أن الخالق له ابن، كقوله: "مَنْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفْنَتَيْهِ؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَنْ ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ؟ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟" (أم ٣٠: ٤).
ويذكر سفر المزامير أن الابن هو ابن الآب المولود منه، والممسوح (المسيح) أي المكرّس من السماء ككاهن وملك على شعب الله (كنيسته)، وهو له مُلك على أقطار الأرض، وهو المولود من الآب، ومَن لا يقبله يباد.. ومُطَوَّب مَن يتكل عليه وذلك، كقول المزمور: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ... قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ" (مز ٢: ٦-٨، ١٢).
كما كشف معلمنا بولس الرسول عن عظمة ابن الله الأقنوم الثاني، الذي تسجد له الملائكة، قائلًا: "كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ. لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأَيْضًا: «أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا»؟" (عب١: ٢-٥).
أقنوم الابن هو كلمة الله
ذكر الوحي الإلهي أن الابن الوحيد هو الكلمة الذي تجسد، وحَلَّ بيننا، وله الألوهية، فهو الذي يفيض على الكل من نعمه، كقوله: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا. يُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَنَادَى قِائِلاً: هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ" (يو١: ١٤-١٦).
وقوله: "ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلَّا هُوَ. وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ»" (رؤ١٩: ١١-١٣).
إن تعبير الكلمة في النَص السابق ليس مقصود به الكلمة الخارجة من الشفاه، لكنه أقنوم الابن، وسمّي الكلمة، لأنه هو أيضًا الوسيط بين الله والناس، كما أن الكلمة هي الوسيط بين المتكلم والمخاطب. وهو أيضًا عقل الله الناطق، وهو نطق الله العاقل.
إن أقنوم الابن هو أقنوم الحكمة الإلهية (اللوجوس) وهو مَن خبرنا، وكشف لنا المعرفة الإلهية بتجسده، ولهذا قيل عنه: "وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ" (١كو١: ٢٣، ٢٤).
الأقنوم الثالث: روح الله.
هو ليس روح إنسان بشري، ولكنه روح الله الذي يعمل في الخليقة، كقوله: "وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ" (تك ١: ٢).
في الشاهد التالي يشهد المسيح أنه مُرسل من السيد الرب (الآب) وروحه أي روحه القدوس: "تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا هذَا: لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ. وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ" (إش ٤٨: ١٦).

ثانيًا: الرب يسوع المسيح يشهد لألوهيته
شهد الرب يسوع المسيح لألوهيته في مواضع كثيرة من الإنجيل. نذكر منها...
1. قوله: "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا" (يو ١٤: ٩-١١).
ومَن مِن بني البشر يقدر أن يقول عن نفسه: "الذي رآني فقد رأى الآب" أو "أنا في الآب والآب فيَّ" أو يقول: "الآب حالٌ فيَّ؟!"
فيما يلي نذكر ذلك بأكثر تفصيل...
2. شهد لوجوده منذ الأزل بقوله: "قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ" (يو٨: ٥٨).
3. ووجوده في المؤمنين في كل الأجيال.
بقوله: "وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. آمِينَ" (مت 20: 28). وأيضًا قوله:
"أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ" (رؤ ٢٢: ١٣).
4. ووجوده في كل مكان في نفس الوقت.
"لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ" (مت ١٨: ٢٠).
5. ووجوده في السماء في ذات وقت وجوده على الأرض مع التلاميذ وبين الناس، وصعوده بقوة لاهوته إلى السماء، كقوله: "وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (يو ٣: ١٣).
6. وإنه هو الطريق إلى السماء وإلى الآب.
"قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يو ١٤: ٦).
7. وإنه هو معطي الحياة، وهو لا يُغلب من الموت، كقوله:
"قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟ قَالَتْ لَهُ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ" (يو ١١: ٢٥-٢٧).
أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ" (يو ٥: ٢١).
8. أيضًا شهد الرب يسوع لوحدانيته مع الآب، بقوله:
"أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ. فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالًا كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا" (يو١٠: ٣٠-٣٣).
9. وأنه هو الديان العادل، كقوله: "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" (مت٧: ٢٢، ٢٣).
10. له الكرامة مثل الآب تمامًا، ومَن لا يكرمه لا يكرم الآب.
"لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ" (يو ٥: ٢٢، ٢٣).
11. ساوى وعادل الرب يسوع المسيح نفسه بالآب.
"فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ. فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ" (يو ٥: ١٧، ١٨).
ثالثًا: المصطلحات الكتابية الدالة على لاهوت الله، والتي اختصّ بها الرب يسوع نفسه.
١. لقب الرَّب.
1. قاموس معجم لسان العرب.
جاء في قاموس معجم لسان العرب عن كلمة الرب: الرَّبُّ: هو الله عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله الرُّبوبيَّة على جميع الخَلْق، لا شريك له، وهو رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ الـمُلوكِ والأَمْلاكِ. ولا يقال الربُّ في غَير اللهِ، إِلاّ بالإِضافةِ..".
2. استخدام كلمة ربّ.
إن استخدام كلمة رَبّ بدون أن يضاف لها اسم آخر تعني أنها لقب لله، ولا تطلق على أحد غيره، أما استعمالها مضاف إليها اسمًا آخر فهي تعني أنها وصف للملكية، ومثال ذلك كلمة (رب البيت).
يستعمل تعبير ربّ البيت لوصف أب له زوجة وأولاد مدبر لبيته، وقد استخدمت أيضًا لوصف سيادة الرب يسوع المسيح وملكيته، وسلطانه على خليقته، كقوله: "يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدْ لَقَّبُوا رَبَّ الْبَيْتِ بَعْلَزَبُولَ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَهْلَ بَيْتِهِ!" (مت١٠: ٢٥).
3. السيادة والملكية المطلقة لله وحده.
مما سبق يتضح أن الربوبية هي الملكية والسيادة المطلقة، وهي لله وحده، فهو سيد الأسياد ورب الأرباب، وهو المالك.. ملك الملوك. وقد اختصّ الرب يسوع المسيح نفسه بهذا اللقب لأنه الله، مع أنه أخلى ذاته مؤقتًا، وأخذ جسدًا، كقوله: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (في ٢: ٦-٨).


4. ربُّ السبت.
الرب يسوع المسيح هو رب السبت، كما أن الله هو رب السبت، كما ذكر في أسفار العهد القديم، كقوله: "فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا" (مت١٢: ٨).
أعلن الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم أن الله هو خالق السماء والأرض، وهو أيضًا رب السبت، كقوله: "تَهَابُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ أُمَّهُ وَأَبَاهُ، وَتَحْفَظُونَ سُبُوتِي. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ" (لا ١٩: ٣).
من الشاهدين السابقين يتضح أن الرب يسوع قال عن نفسه إنه الله، لأنه رب السبت، الذي قد حُفظ له طقس عبادة يوم السبت عند اليهود، كما جاء في سفر اللاويين.
5. الرب يسوع يلقب نفسه بالرّبِّ.
"وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا" (مت ٢١: ٣).
6. الرب يسوع المسيح يشهد بأن الرب (الله الآب) لَقَبَّهُ، وناداه بلقب الرب (لأنه هو الله الابن).
".. مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ابْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلًا: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟" (مت ٢٢: ٤٢-٤٥).
٢. لقب ابن الإنسان.
ورد هذا المصطلح في سفر دانيال في نبوءة خاصة عن شخص أسماه السفر بابن الإنسان، وله صفات إلهية مثل سلطانه الأبدي وملكوته، الذي لا يزول، وتَعَبُدْ الشعوب والأمم له، كقوله: "كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ" (دا ٧: ١٣، ١٤).
1. صفة أم لقب؟
لقد اختصّ الرب يسوع نفسه بلقب (ابن الإنسان)، وبالطبع لم يقصد الرب أن يصف نفسه بأنه ابن بشر، فمع أن الناس كلهم لهم هذه الصفة، ومع هذا لا يمكن تلقيب أحدًا منهم بابن الإنسان، لأني حينما أنادي (يا ابن الإنسان) لن يجبني أحد.
إن استعمال الصفة قد يكون أحيانًا للوصف، ولكن اللقب يستعمل في مناداة شخص معين أو في التكلم مع إنسان محدد.
إن تسمية الرب لنفسه بابن الإنسان لم تكن صفة لإنسانيته، لكنها لقب. لقد قصد الرب أن يشير، ويذكّر اليهود أنه ابن الإنسان، الذي كتب عنه دانيال النبي.
ابن الإنسان الذي يأتي على سحاب السماء.
أضاف الرب في شهادته عن نفسه أثناء محاكمته أمام مجمع اليهود أنه ابن الإنسان، الذي سيأتي على سحاب السماء، ليؤكد للجميع علانية أنه الشخص الإلهي، الذي بشر بمُلِكِه دانيال النبي، بقوله: "وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ" (مت ٢٦: ٦٣، ٦٤).
استخدام الرب لقب ابن الإنسان.
لقد استخدم الرب يسوع هذا اللقب ليشير به إلى نفسه، كما ذكر الكتاب المقدس في أماكن كثيرة. وقد أدرك التلاميذ تمامًا أن هذا اللقب خاص به دون غيره، وعندما سأل الرّب عن رأي الناس فيه سأل تلاميذه أيضًا، قائلًا: "وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلًا: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟" (مت١٦: ١٣).
ولما قال لهم وأنتم مَن تقولون أجاب بطرس قائلًا: "... أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!" (مت١٦: ١٦).
وهكذا وافق الرب يسوع على إقرار معلّمنا بطرس الرسول بأنه (ابن الإنسان) وهو أيضًا ابن الله الحي.
2. أعمال الألوهية المنسوبة لابن الإنسان (الرب يسوع المسيح).
أكدّ الرب يسوع المسيح أنه ابن الإنسان، الذي يجب أن يؤمن به اليهود كإله حق (الابن) من إله حق (الآب)، وذلك بسبب أعمال الله، التي يعملها، كقوله: "فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ" (يو١٠: ٣٦-٣٩).
فيما يلي نذكر بعض من أعمال ألوهية الله المنسوبة لابن الإنسان، والذي رآه دانيال النبي على سحاب السماء، والذي ارتفع للسماء صاعدًا على سحاب السماء، وهكذا سيأتي في مجيئه الثاني (الرب يسوع المسيح).
3. ابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا، كقوله: "وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا. حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!" (مت٩: ٦).
4. وهو الموجود في الأرض والسماء في ذات الوقت، كقوله:
"وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (يو٣: ١٣).
5. له الكرامة الواجبة لله من ملائكته، كقوله: "وَقَالَ لَهُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلاَئِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ" (يو١: ٥١).
6. هو الذي سيأتي مع ملائكته القديسين ليدين العالم كله، كقوله: "فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِه" (مت١٦: ٢٧).
7. سيأتي على سحاب السماء في مجيئه الثاني، ليدين الأحياء والأموات، كقوله: "وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا" (مت ٢٤: ٣٠، ٣١).
٣. لقب ابن الله.
المفهوم اليهودي للقب ابن الله: اعتقد اليهود أن لقب ابن الله خاص بالمسيح المنتظر، الذي له سلطان، وكيان سماوي فريد، وهو الديان، وأنه قادر على كل شيء، ومن يلقب نفسه بهذا اللقب (إن لم يكن هو المسيا) يقع تحت جريمة التجديف، ويستحق الموت رجمًا.
اللقب في صيغة الجمع وفي صيغة المفرد.
وقد أُطلق اللقب في صيغة الجمع (أبناء الله) كثيرًا للدلالة على البشر، لكنه في صيغة المفرد (ابن الله) لم يُستخدم إلا للدلالة على السيد المسيح ابن الله الكلمة فقط.
مثال لاستخدام اللقب في الجمع للدلالة على البشر.
"أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا" (تك6: 2).
"قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدًا وَعِزًّا" (مز29: 1).
كلمة الابن لقب خاص بالمسيح الرب فقط، أي: أنه الوحيد في بنوته للآب.
استخدام لقب (ابن الله) بصيغة المفرد في العهد الجديد للدلالة على ألوهية الرب يسوع المسيح، ولم يطلق لقب ابن الله أبدًا على غير الرب يسوع، وقد ذُكِرَّ أيضًا في إنجيل القديس يوحنا أنه (الوحيد) أكثر من مرة، بغرض نفي وجود ابنًا لله غيره. وقد أكد الرب يسوع أنه الابن الوحيد، أي: الفريد في بنوته لله، ولا مثيل له، لأنه المولود من الآب قبل الدهور، وهو الإله الحقّ من الإله الحقّ، ولهذا قال عن نفسه: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو٣: ١٦).
"اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ" (يو٣: ١٨).
ارتباط صاحب اللقب بأعمال خاصة بالله.
8. مثل أحقيته في العبادة والسجود له، كقول الكتاب: "وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللهِ!" (مت ١٤: ٣٣).
9. ضرورة الإيمان به، لأنه المسيح، كقوله: "وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ" (يو6: 69).
10. ذكر القديس يوحنا الحبيب الكثير من المعجزات العظيمة التي لا يمكن لبشر صنعها، ليثبت أن الرب يسوع هو المسيح ابن الله، أي: الله الظاهر في الجسد، كقوله: "وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يو٢٠: ٣١).
رابعًا: الاعتراف الحسن أهم صفاته الوضوح والدقة.
اعترف الرب يسوع المسيح عن نفسه الاعتراف الحسن، كاشفًا بوضوح للجميع شخصه المبارك، وبالطبع كان لا بد أن يشهد لطبيعته الإلهية وشخصه الإلهي، أي: أنه أقنوم الكلمة ابن الله، ويشهد أيضًا بوحدانيته مع أبيه والروح القدس، ولكونه المسيح المرسل من الآب الممسوح ملكًا، تخضع وتتعبد له جميع الشعوب والأمم.
إن الشهادة الحقة لا بد أن تقال فيها الحقيقة بطريقة واضحة جلية، وليس فيها جزءًا منقوصًا أو مخفيًا.
لم يُخْفِ السيد المسيح نفسه عن سامعيه بل تكلم بالحق كله بجرأة، وكان نتيجة ذلك تعرضه لمحاولات قتل بسبب شهاداته الواضحة عن نفسه.
لفظ الجلالة الله عند اليهود.
11. مفاهيم عن الله في العهد القديم.
لقد كان المفهوم السائد في الأذهان عن شخص الله، أنه نار آكلة، كقوله: "لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ، إِلهٌ غَيُورٌ" (تث ٤: ٢٤). وفيما يلي أهم المفاهيم، التي ترد للذهن عند سماع لفظ الجلالة الله، كما علمها الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم:
١. العظمة والرهبة الشديدة، التي تليق به.
ومن أوضح الأمثلة عن الهيبة والرهبة، التي لازمت نزول الله على جبل سيناء أثناء استلام موسى النبي الشريعة، كقوله: "وَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ أَنَّهُ صَارَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ عَلَى الْجَبَلِ، وَصَوْتُ بُوقٍ شَدِيدٌ جِدًّا. فَارْتَعَدَ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي الْمَحَلَّةِ. وَأَخْرَجَ مُوسَى الشَّعْبَ مِنَ الْمَحَلَّةِ لِمُلاَقَاةِ اللهِ، فَوَقَفُوا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ. وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ، وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا. فَكَانَ صَوْتُ الْبُوقِ يَزْدَادُ اشْتِدَادًا جِدًّا، وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْت" (خر19: 16- 19).
٢. الله لا يمكن أن يراه أحدًا في مجده، ويعيش.
أوضح الله لموسى النبي (عندما طلب أن يرى مجده) أنه لا يمكن أن يُرَى في صورة مجده، كقوله: "فقال أَرِنِي مَجْدَكَ. فَقَالَ: «أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ». وَقَالَ: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ»" (خر٣٣: ١٨-٢٠).
٣. الاعتقاد بأن مَن يرى الله لا يعيش.
اعتقد اليهود بأن مَن يرى الله لا يمكن أن يعيش. وهكذا اعتقد منوح والد شمشون، الذي لما رأى ملاك الرب صاعدًا وسط لهيب النار اعتقد أنه رأى الله، ولذلك لن يعيش بعد، فقال لامرأته: "فَكَانَ عِنْدَ صُعُودِ اللَّهِيبِ عَنِ الْمَذْبَحِ نَحْوَ السَّمَاءِ، أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ صَعِدَ فِي لَهِيبِ الْمَذْبَحِ، وَمَنُوحُ وَامْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ. فَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا إِلَى الأَرْضِ. وَلَمْ يَعُدْ مَلاَكُ الرَّبِّ يَتَرَاءَى لِمَنُوحَ وَامْرَأَتِهِ. حِينَئِذٍ عَرَفَ مَنُوحُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ. فَقَالَ مَنُوحُ لامْرَأَتِهِ: نَمُوتُ مَوْتًا لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللهَ" (قض١٣: ٢٠-٢٢).
12. معلمنا بولس الرسول يشهد بلاهوت أقانيم الثالوث القدوس. وقد لخص معلمنا القديس بولس ما يتوارد إلى الذهن، عندما يُذكر اسم الجلالة الله، بقوله: "الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ" (١تي ٦: ١٦).
إن المقصود بالله الذي لا يُرى، أو بالله الذي مَن يراه لا يعيش هو الله الآب، وهذا لا ينفي أن أقنوم الابن الذي أخذ جسدًا من العذراء الطاهرة القديسة مريم، وتأنس، وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها هو واحد مع الآب في الجوهر، وأنه أيضًا مساوٍ له في الجوهر، أي في الطبيعة الإلهية، وهكذا شهد معلمنا بولس الرسول، أن الله تكلم من خلال ابنه، الذي هو له نفس جوهر الآب، قائلًا عنه: "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي" (عب١: ١-٣).
حكمة الرب يسوع المسيح الشاهد الأمين.
لو افترضنا أن الرب يسوع قال إنه الله وسكت، دون أية تفاصيل
أخرى: فهذا يعني أنه الله الآب، الذي لا يُرى، والذي لا يعيش مَن يراه، ولكان هذا كلام غير صحيح، لأنه كان يحيا بين جماهير من الناس، التي كانت تراه كل يوم، وتتحدث إليه، ولكن الرب كان دقيقًا في شهادته عن نفسه، فأعلن أن له ما للآب من لاهوت، ولكنه ليس الآب، لأنه هو الابن، أو ابن الله، الذي يمكنه أن يأخذ جسدًا، ويصير إنسانًا، بينما يملأ بلاهوته السماء والأرض. وهو حاضر في السماء، بينما هو في نفس الوقت في الأرض، كقوله لنيقوديموس: "وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (يو٣: ١٣).01 07

هل فهم اليهود ورؤساء الكهنة أن الرب يسوع المسيح نسب لنفسه الألوهية؟
نسب الرب يسوع المسيح لنفسه ما لله بصورة واضحة لا تحتمل الشك أو اللَّبس، ولذلك اتهمه اليهود أكثر من مرة بالتجديف، كما سنذكر فيما يلي:
1. "فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ" (يو١٠: ٣٦-٣٩).
1. "وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ. فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا: قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَأَجَابُوا وَقَالوُا: إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ" (مت ٢٦: ٦٣-٦٦).
2. "وَإِذَا قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ قَدْ قَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: «هذَا يُجَدِّفُ!» عَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ، فَقَالَ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَامْشِ؟ وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا. حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ! فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ" (مت ٩: ٣-٧).